بعد مشاهدة أي فيلم مع الأصدقاء، وبعد نهايته، يبدأ الجميع بتقييمه بصورة سريعة، وقد يغويهم السيناريو بالحديث عن تفاصيله أكثر، بما يفوق التقييم المجرد، بالإشارة إلى معاني الفيلم ومغزاه الرئيسي، بما يفوق بالطبع أداء الممثلين واللمحات الإخراجية التقنية. وهنا يأتي سؤال مثير: هل كل فيلم يمكن قراءته على أنه رمزي ويحوي دلالات ومنفتح على التأويل..الخ؟. المسألة إشكالية جداً خاصة عند مشاهدة فيلم بسيط للغاية، لكنه مغرق بالإشارات التي يمكن أن يتم تأويلها وإسقاطها على قضايا فلسفية أو سياسية أو إشكالات أخرى. أو أن يأتي الفيلم "تشاهده أو يعرض" في جو عالمي مشحون بالأحداث التي تجعلك تفكر دائما بما خلف الكواليس. كمثال على هذه الأفلام البسيطة المشحونة بالرموز فيلم توم هانكس الأخير Extremely Loud & Incredibly Close. حيث قد يبدو الفيلم البسيط والغريب مشحوناً بالرموز التي تدفع المشاهد للتأويل في اتجاهات مختلفة. فبينما يحكي الفيلم عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر من خلال قصة إنسانية بسيطة حول معاناة طفل من جراء فقد والده في الأحداث، يبدو الفيلم مشحوناً بتفاصيل كثيرة مثيرة جداً للتأويل، قد لا تحتملها الحبكة البسيطة للفيلم!. فهل هي مقصودة أو أنها مجرد مصادفات لا أكثر نحاول قراءتها على أنها غاية لمن كتب النص؟!. طفل يبدأ بالبحث عن سر مفتاح وجده في مزهرية لوالده. المفتاح كان في ظرف صغير كتب عليه "أسود" فبدأ يفتش الولد بشكل منظم عن كل من يحوي اسمه كلمة "أسود" حتى النهاية، والنهاية التي لا تصدق "كما يشير عنوان الفيلم" حول المفتاح وصاحبه!. المفتاح والبحث عن صاحبه، تعذيب الولد لنفسه بجرح جسمه بصورة متعمدة حتى امتلأ بالبقع الحمراء والزرقاء، الأم التي لا تستطيع أن تفعل شيئاً، الجدة غريبة الأطوار، العاشق لحفيدها، الرجل الأبكم الذي يحاول المساعدة، الحالة النفسية المتردية التي يمر بها الولد واختبائه في الأماكن الضيقة المظلمة!، في فيلم محوره ابن رجل قُتل في أحداث سبتمبر، كل هذه الرموز تغري بمحاولة التأويل والتأويل إلى ما لا نهاية، ولأجل عدم إفساد حبكة الفيلم على من لم يشاهده بعد لم أواصل الحديث عن تلك الرموز التي رأيتها في الفيلم ولم تكن مقصود ربما!. هنا تأتي الإشكالية، ما الذي يحتمله النص وما لا يحتمله؟ متى نكون قادرين على تأويل المشهد وإسقاطه على أحداث واقعية أخرى ومتى لا نستطيع هذا؟. هناك أفلام سينمائية خلقت ليتم تحليلها وإسقاط أحداثها على حياتنا كفيلم "ماتركس" على سبيل المثال وأخرى جاءت بسيطة وكأنها لا تعني شيء ك "سيد الخواتم" بحبكة بسيطة حول صراع الخير والشر. لكن الكثير لا يرى في "ماتركس" إلا فيلم حركة "آكشن" متوسط المستوى ولكن قد يرى في "سيد الخواتم" مغزى عميق حول الإنسان والخير والشر. لذا لا يمكن حقيقة وضع قواعد لتلك المسألة، والخروج بنتيجة مرضية حول قابلية الأفلام السينمائية للتأويل، وما تظهر وما تخفي، وإن كانت ممارسة التأويل على الفيلم (أو النص بطبيعة الحال) متعة لا يستطيع الإنسان أن يتجاهلها، خاصة عندما يبدأ بحبك السيناريو الموازي الخاص به، ويجد نتائج مختلفة تماماً على ظاهر الفيلم. إما أكثر عمقاً مما يظهره الفيلم أو أكثر تماساً مع واقع معاش مختلف لمشاهده.