ثمة خوفٌ وقلقٌ ينتابني على سكان مدينتين عزيزتين من بلادي عندما يأتي موسم الأمطار.. هما جدة (عروس البحر) وجازان المدينة الصغيرة.. والجنوبية الوادعة.. بفُلِها وريحانها وكاديها وفنها.. وغيره من أدب وشعر لأهلها الكرام.. وأتعجبُ كثيراً من ضآلة وحقارة أُنثى بعوضة الأنوفيلس وما تسببه من أمراض خطيرة.. وأعجب أكثر عندما نعرف ان مكافحة أمراضها.. بل ومنع حدوثها بسيط جداً.. وهو وقائي بالدرجة الأولى.. أي رش وردم المستنقعات لمنع تكون المياه الراكدة (ستقننت ووتر) حيث توالد وتكاثر البعوض.. وهو عمل منوط بالطب الوقائي وصحة البيئة في وزارة الصحة والبلديات.. تقوم به (أو هكذا يجب أن يكون) في مواسم الأمطار.. والذي لا يكلف كثيراً.. مقارنة بما يُنفق في مكافحة أمراض أُخرى.. أقل خطورة من حمى الضنك والملاريا.. أي ان مكافحة (مرضي) سوانح اليوم تعتمد على شيئين أساسيين.. رش البعوض بالمبيدات أينما وجد.. وقبلها أو أثنائها منع تجمع مياه المستنقعات بردمها إن تكونت نتيجة الأمطار.. والردم بحد ذاته سيغنينا عن الرش والعلاج.. فلا بعوض سيتواجد ويتوالد.. ولا أمراض تحتاج إلى علاج.. بأقراص الكلوروكوين وغيره من أدوية يتم اكتشافها وتطويرها لمحاربة هذا المرض العالمي الذي يقتل الملايين من البشر سنوياً.. وجازان لم يتم القضاء على الملاريا فيها.. بل تكثر حالات الملاريا كلما هطلت الأمطار.. وأشدها خطورة الملاريا المخية المستوطنة في جازان منذ سنين مع الأسف الشديد (شاهدت بعض الحالات بنفسي عندما زرت جازان) وجِدَة تعاني من حمى الضنك كلما هطلت الأمطار.. فتكون بالفعل في شدة (جدة أُم الرخاء والشدة) وأنثى بعوضة الأنوفيلس هي المسببة للملاريا كما قلت وهي ابنة عم البعوضة المسببة لحمى الضنك.. وقد تكون هي نفسها في نقل المرضين.. والفرق انها في الملاريا تحمل باراسايت وفي حمى الضنك تحمل فيروس.. وبعوض الأنوفيلس (الذكر والأُنثى) والمسببة إُناثه للملاريا.. أكثر ضآلة وحقارة (دونية) وتعيش أو تتواجد في المستنقعات القذرة والأكثر اتساخاً.. بعكس بعوضة حمى الضنك (البرنسيسة) كما يسميها سكان جدة.. والتي تعيش وتتكاثر بوضع بويضاتها في المياه الراكدة والمتبقية في الصفايح الفارغة والبراميل والإطارات وعند مكيفات الهواء وحول المسابح.. أي مياه نظيفة نسبياً وتلدغ ضحاياها نهاراً بعد الشروق وقبل الغروب بساعتين (شاعرية وبرنسيسة) وأجزاء فم ذكر البعوض غير ثاقبة أي لا تخترق جلد الإنسان أثناء القرص.. فتتغذى على رحيق الأزهار وعصارات النباتات.. فمتى نتخلص مما تسببه إناث البعوض من حمى الضنك والملاريا في جدة وجازان ولسعات مزعجة وتقريص من ذكورها يصحي النايم في كل مكان.. والبعض من سكان جدة.. يقول إن لدغة العقرب أهون من لدغة بعوضة حمى الضنك.. وهذا كلام فيه الكثير من الصدق.. فقد قيل قديماً: إن البعوضة تُدمي مقلة الأسدِ.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله.