يروعك أن تلقى معشوقة لك قديمة بعد فراق دام عشرات السنين.. ويروعك أكثر أن تجد تلك المعشوقة الجميلة لم تتغير كأنما نسيها الزمان بينما تغيرت أنت مع السنين.. هذا - بالضبط - ما حصل لي مع معشوقتي القديمة (ألف ليلة وليلة) التي تعلقتها طفلاً وتعشقتها مراهقاً وهمت معها وأنا في زهرة العمر.. قرأت ألف ليلة وليلة - أول مرة - وأنا في السادسة ابتدائي وذهلت من كل النواحي وفتحت لي أبواباً لا حصر لها من الخيال.. اشتريتها من مكتبات قديمة جنوب مسجد الإمام تركي بالديرة، حيث تباع هناك - وقتها - أنواع من الكتب لا رابط بينها، وربما كان البائع لا يعرف ما في كثير منها.. قرأت المجلدات الأربعة في ليلة واحدة!.. سهرت عليها ومعها بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر.. وصلة واحدة.. لم أحس فيها بالزمان ولا المكان! قرأتها في السطح الأعلى من بيتنا الطين آنذاك (العليا) هكذا نسميها حيث سقفها النسيم والنجوم.. أدهشتني إلى آخر حد بجمال جواريها وبذخ قصورها ومشاعر أبطالها وأسفار سندبادها وترف هارونها ورقة أشعارها وغرائب أسفارها وروائع أوصافها وبدائع شهرزادها.. لا شيء يجعل الخيال حراً طليقاً يمخر الزمان والمكان، كقراءة روائع القصص في الصغر، وبالذات ألف ليلة وليلة، وأساطير جواريها الحسان، وبذخ أوصافها وقصورها وأسفار أبطالها وشخوصها إذ إنهم يسافرون بك معهم إلى لا مدى، ويحملونك على بساط الريح، ويصلون بك حتى جزر واق الواق، ويشعلون فيك فتيل الأحلام.. هذه الأيام أعدت قراءة مشوقتي القديمة، كنت أقلب صفحاتها بأصابع ورعة كأنما أقلب أيامي وأعيش طفولتي ومراهقتي من جديد.. تلك الطفولة التي زادتها شهرزاد سعادة.. حقاً لا شيء يمتع أكثر من القراءة..