عندما طُلقت ظلت لعدة سنوات تخفي الخبر عن زميلاتها في العمل، كل ما تمت ملاحظته من قبلهن أن زوجها لم يعد يأتي بها صباحاً إلى العمل، مع ابنتيها اللتين تدرسان في المرحلة الابتدائية، والمتوسطة، ظلت حريصة لفترة تجاوزت الثلاث سنوات بحكم علاقتها المحدودة بمن حولها، وتقصيرها في طرح خصوصياتها معهن، واستعدادها الدائم للتبرير عن غياب زوجها وعدم إحضاره إليها المدرسة، أو انقطاع اتصاله المحدود أصلاً بأنه مسافر إلى منطقة أخرى حيث تم نقل عمله. القضية برمتها يفترض أن لا تعني أحداً، أو يهتم بها الآخرون، على اعتبار أنها مسألة شخصية بحتة، لكن بحكم هذا المجتمع المتداخل والمتشابك، والذي ينزع عنك الحصانة رغم استحقاقك لها، شعرت بأن أول الأمور المطروحة ستكون لو عرف ممن حولها، لماذا طُلقتِ؟ وما الأسباب؟ وكيف صبرتِ عليه كل هذه السنوات؟ وكيف ستديرين حياتك؟ وهل ستظلين في شقتك الإيجار على أساس أنه لا منزل لها ملك، ولماذا لا تذهبين إلى أحد اخوتك لتسكني في شقة لديه وتكوني قريبة من رجل تحتاجينه ان تعرضت لأزمة؟ والدها متوفى، وأمها تسكن مع أحد أشقائها ومن الصعب الذهاب إليه، وهو لم يعرض عليها أن تذهب ويعرف أنها مطلقة واستلم صك طلاقها، ولا يتصل إلا إذا احتاج شيئا، المُسمى أخ لكن الناتج العائد عليها صفر سوى رابطة الدم كأشقائها الآخرين. مضى زمن طويل وهي صامتة حتى غادرت مكان العمل إلى مكان آخر وبعدها تحولت إلى استغراب ودهشة من قبل زميلاتها، ولوم للملقوفات لفشلهن في عدم ملاحظة أنها مطلقة أو التماس ذلك. تداعت هذه القصة لديّ وأنا أتابع ما آلت إليه حالة الطبيبة السعودية في المدينةالمنورة وتلك القضية الشائكة التي حملت أوزارها دون ذنب وقادتها إلى السجن دون مبرر سوى انها مطلقة فقط. السجن هو المكان الحقيقي لها في ظل وهمية الرجل الأب أو الزوج أو حتى من يتعامل مع قضية المرأة على اعتبار أنها تستطيع أن تفكر، وتقرر وتأخذ قرارها. امرأة سعودية في العقد الرابع من عمرها تعمل مساعدة طبيبة أسنان في صحة المدينةالمنورة، انفصل والدها عن أمها عندما كانت جنيناً في أحشائها، فربتها والدتها حتى تخرجت في الكلية، وعملت كطبيبة في أحد المستشفيات الحكومية، ومن ثم تزوجت وأنجبت طفلة عمرها 13 سنة وبعدها طُلقت وعادت للعيش مع والدتها التي ربتها، ولكنها فوجئت أن والدها الذي لم يعرفها طول الأربعين عاماً، ولم يصرف عليها، ولم يتفرغ لها، ولم يعرف عنها شيئاً يريدها أن تسكن معه، في بيت صغير لا يتجاوز الثلاث غرف وبه نحو 25 ولداً وبنتاً كما أنه متزوج من أربع نساء. وعندما رفضت رفع قضيتها إلى محكمة المدينةالمنورة والمذهل أن المحكمة حكمت عليها لرفضها السكن مع والدها بالسجن، وجرى إيداعها السجن لمدة ثلاثة أشهر، وعاد وكيل الطبيبة لاستئناف القضية مرة أخرى وأنهى القاضي الآخر ملابسات هذه القضية الغريبة بإيقاف حكم السجن الذي قضت منه ثلاثة أشهر دون سبب بعد تفهمه لهذه الحالة الإنسانية وسؤاله لها عن سبب رفض السكن مع والدها، والذي بررته بأنها لا يعقل أن ترفض ابنة السكن مع والدها وهي تدرك حقه في الشرع. ولكنها لا ترتاح في السكن معه، فضلاً مع أنها تريد أن ترد الجميل إلى والدتها التي ربتها حتى نالت شهادة الطب. وهنا صرف القاضي آلية إعادتها إلى السجن مرة أخرى ومنحها فرصة اكمال معاملة الالتماس في محكمة الاستئناف في مكةالمكرمة. بمعنى أن قضيتها لم تنته، ولا يزال أمامها فرصة العودة إلى السجن وليس فرصة الحياة حرة لتربي ابنتها، وترعى والدتها. وان الأمر معلق حتى الآن، من خلال إصرار الوالد على هذه القضية الغريبة، وتحطيمه لابنته وتفرغه لها وهو الذي لديه عائلة كبيرة وأربع زوجات، لكن منطلقه هنا ليس منطلق تسامح واحتضانه ابنة لم تشعر بوالدها طوال عقودها الأربعة، ولم يتعاطف معها، أو يمنحها احساس الأب كل ذلك الزمن المنصرم، ولكن منطلقه انتقام وقسوة وعنف نفسي وكسر للإنسانية وإغلاق مساحة تلك الأم التي عادت إليها الابنة لترعاها بعد كل ما بذلته من أجلها. أحييي تلك المرأة ليس لأنني مع التمرد على سلطة الأب أو تجاوزها ولكن لقوتها وإيمانها بقضيتها، وإصرارها على ما تريد، وعدم قدرة الأب ان كان يريد فعلاً احتواء ابنته ولديه بعض العاطفة ان يتعامل معها بإنسانية، ويصل إلى طريق تفاهم من خلال زيارتها بين آن وآخر وتركها تسكن مع والدتها وهي الأربعينية وليست الطفلة، أو المراهقة. الغريب في الأمر لماذا لم يأخذها وهي في سن أحقيته بها ويربيها ويصرف عليها حتى يكون له الحق الآن في ذلك؟ لماذا أصر عليها الآن وكان الشرع سيمنحه إياها وهي في السابعة أو العاشرة ليعتني بها إن كان يريد؟ ولماذا يتفرغ الآن لكسر عظامها وإهانتها وإدخالها السجن ولا يزال؟ ستظل قضايا النساء شائكة وغريبة ومعاودة قراءتها أو الاستماع إليها يعيدك إلى إغلاق مسام تفكيرك!