لم يجرب أحدنا الموت من قبل، ولكن من الواضح أن آخر كلمة يتلفظ بها الإنسان قبل وفاته تحمل خلاصة أفكاره وقناعاته وفلسفته في الحياة.. وتلك الكلمات تدل في معانيها على معادن الناس - حديد ونحاس أم ذهب وألماس.. وقد تكون بطبيعتها منطقية أو خيالية، جادة أو ساخرة، عميقة أو بلهاء، صادقة أو خرقاء. = فحين حضرت الوفاة خالد بن الوليد قال: "لم يبق شبر في جسدي إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير"! = وتذكر إحدى الروايات أن عليا كرم الله وجهه قال حين طعنه ابن ملجم "فزت ورب الكعبة". = وقال المأمون حين حضرته الوفاة "يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه". = وقال الحجاج عند موته "اللهم اغفر لي فالناس يقولون انك لن تفعل"- وكان عمر بن عبدالعزيز يغبطه على هذه الكلمة! = ولما حضرت بلالا الوفاة قال "غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه".. = وقال الفضيل بن عياض (وهو شيخ الحرم المكي وممن أخذ عنهم الشافي) " آآآه يا بعد السفر وقلة الزاد"! = وفي المقابل قد تدل آخر كلمة للمتوفى على اعتزازه بقوميته وبني جنسه: فحين هزم انطونيو على يد اوكتافيوس قال وهو يحتضر: لم اسقط بطريقة مخزية فأنا روماني وقد هزمني روماني آخر. = وبنفس الغرور صرخ نابليون قبل وفاته: فرنسا.. الجيش.. قائد الجيش.. جوزفين!! = وقد تكون آخر كلمة مجرد تقرير لحقيقة منطقية مسلم بها؛ فحين سألوا الإسكندر الأكبر عمن سيخلفه قال: الأقوى! = وحين سألوا الروائية الإنجليزية جين اوستين عما تحتاج، قالت مبتسمة: وهل هناك غير الموت! = ونادرا ما تكون آخر الكلمات من النوعية التي تعبر عن السعادة والرضا بالممات، ومع ذلك قال الشاعر الإنجليزي جيرارد هوبكنز حين مات: كم أنا سعيد.. = وقال العسكري الفرنسي الشهير موريس دوساكس: كان الحلم قصيرا، لكنه جميل.. = وقال الممثل الإنجليزي نويل كورد: تصبحون على خير لن أراكم في الصباح.. = ولعل أشهر ما يتداوله العامة هي الكلمات التي تدل على الطبيعة الكوميدية والساخرة للمرء.. فحين حضرت الوفاة المفكر الإيطالي الشهير ميكافيلي قال: أريد الذهاب للجحيم، حيث أتمتع بصحبة الباباوات وملوك أوروبا! = وحين حضرت الوفاة المستعرب جون فيلبي قال: أخيرا.. لقد مللت! = وكان الملك البريطاني هنري الثامن يخشى دائما من رهبان الكنيسة، لذا من الطبيعي أن يصرخ قبل وفاته: رهبان.. رهبان في كل مكان! = أما المؤرخ البريطاني توماس كارلايل فقال: إذا هذا هو الموت OK. = وقال لويس كارول (مؤلف أليس في بلاد العجائب): تقاسموا الوسادات لن أحتاج لها مرة أخرى ! = وقد لا تكون آخر الكلمات سوى تعبيرا عن معاناة اللحظة وألم الاحتضار فآخر كلمات الفيلسوف الألماني (كانت): آه.. ثم آه.. ثم آه.. هذا يكفي! = وحين اغتيل بيريز رئيس وزراء اسرائيل السابق وضع يده على مكان إصابته وقال: هذا مؤلم! = أما سيء الحظ فعلا فكان العالم المعروف أنشتاين الذي قال قبل وفاته كلاما مهما لم يوثق ولم يعرفه أحد حتى الآن.. فقد قال شيئا باللغة الألمانية لم تفهمه ممرضته التي لا تجيد غير الانجليزية! .. على أي حال، طالما اتفقنا على أن آخر كلمة يتلفظ بها المرء تدل على نظرته للحياة والطريقة التي يختم بها دنياه فليس أفضل من "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" ....