توالت ضحكات وتعليقات أفراد الأسرة وهم يشاهدون المسرحية الكوميدية "العيال كبرت"، ما عدا "الأب" الذي لم تعجبه أحداث المسرحية، حيث سعى أن يخفي ملامح الضيق الواضحة على وجهه، وذلك لشعوره أن المسرحية تتطابق مع جزءٍ من حياته التي يخفيها عن زوجته وأبنائه. «أم العيال» أول ما تلحظ التغيير تشك ويبدأ التحقيق:«وش عندك كاشخ ومتطيب؟..من اللي متصل عليك؟..الرسالة من مين؟» وعلى الرغم من أن المسرحية التي عرضت عام 1979م تحكي قصة مجموعة من الأبناء يكتشفون بأن والدهم يخطط للزواج الثاني من بنت تصغره بسنوات كثيرة والسفر معها دون مراعاة لزوجته الأولى، التي لا تسمح لأي شخص أن يتحدث عن زوجها بأي كلمة مسيئة دون علمها أنه يمر بمرحلة يطلق عليها المختصون "مراهقة متأخرة"، وهو ما جعل أحداث هذه المسرحية تتكرر في كثير من المنازل بطرق قد تختلف عن أحداثها الكوميدية التي لا يمل كثيرون من المشاهدين رؤيتها مراراً وتكراراً.. فخاف ذاك الأب أن تعرف زوجته، أو أبنائه أنه يمر بمرحلة مضطربة، خشية أن تؤثر على استقرار البيت، ناهيك عن الإحراج الذي قد يتعرض له عندما يعرف أبناؤه بتصرفات يعتبرها البعض مسيئة لعمره، ويعللها المختصون النفسيون أنها نتاج فراغ داخلي، وعاطفي، يساهم في تفاقمه الضغوط الأسرية وكثرة المتطلبات والالتزامات، مما جعلهم يفكرون في محاولة إعادة ما ضاع منهم على مستوى العلاقات العاطفية، والتي تصل في بعض الأحيان لمستويات مبالغ فيها. محاكمة الأب بعد أن دخل الشك في نفوس عدد من الأبناء اثر مشاهدة والدهم يتصرف تصرفات مريبة، كالتحدث بالجوال لفترة طويلة وهو جالس في السيارة قبل الدخول إلى المنزل، إضافة لصوته الخافت أثناء الحديث في بعض المكالمات عند تواجده معهم، رغم انه يتحدث بصوت عال مع الجميع، ما جعلهم يعقدون اجتماعاً مغلقاً فيما بينهم للتأكد من عدم وجود سيدة أخرى في حياة والدهم. وذكر "خالد" أن شكّه في والده كان في محله، بعد أن اتفق مع إخوته أن يراقبوا تصرفات والدهم، حيث عرفوا أنه على علاقة مع زميلة له في مقر عمله، ويخططان للزواج رغم الالتزامات المالية الكثيرة التي يشكو منها الأب، والتي ستساهم بلا شك في خلق كثير من المشاكل على المستوى المادي، إضافة للاجتماعي، مضيفاً: "استطاعت أختي أن تلاحظ رسالة نصية في جوال والدها عندما طلب منها ان تشرح له بعض البرامج الموجودة في هاتفه الجوال"، مشيراً إلى أن والده أصبح يهتم بدرجة كبيرة في أمور التقنية الحديثة والجوال والانترنت، والتي كان في السابق لا يلقي أي بالٍ لها. وزاد: "اكتشفت أختي رسالة نصية من سيدة تذكر فيها أن الموضوع يجب ان ينتهي بسرعة من خلال الزواج، وهو ما تسبب بخيبة أمل كبيرة في نفوس إخوتي وأخواتي في المنزل، خصوصاً أن أخواتي كانوا ينظرون له كمثال لا يمكن ان يقوم بتصرفات صبيانه طائشة"، مبيناً أنهم اتفقوا على إخفاء الموضوع عن والدتهم حتى لا تتأثر صحتها، وبعد عدة اجتماعات قام بها الأخوة والأخوات، قرر خالد بحكم أنه الأخ الأكبر مصارحة والده في جلسة معكوسة كان الطرف الأقوى فيها هو الابن، فيما الأب يتلعثم بدرجة كبيرة في الحديث، إضافة إلى محاولاته التهرب من المشكلة، لتنتهي الجلسة في النهاية بتعهد الأب بعدم تكرار ما قام به!، قائلاً: "أثناء اجتماع المصارحة مع الدي أن هذه الجلسة الودية لن تتكرر إذا استمر والده على هذا الحال، بل سأخبر أعمامي الأكبر سنّاً، إضافة إلى أني سأذهب لمنزل زميلتك في العمل، وأخبر أهلها، مما قد يزيد المشاكل". الطفل الداخلي يتفق الكثير من علماء النفس أن داخل كل شخص سواء كان رجلاً أو سيدة "طفل" لا يريد أن يكبر أو يتجاوز هذه المرحلة ليدخل في مراحل متقدمة تتسم بالجدية والضغط والملل، وهو ما يصيب الأشخاص في مراحل متقدمة من العمر، بما يعرف ب"مراهقة متأخرة" أو"مراهقة الشيخوخة" التي تبدأ عادة فيما بعد سن الاربعين، وقد تتأخر في بعض الحالات، لتبدأ بعد الخمسين، وتبدأ عادة مثل هذه الحالات بجالسات انطوائية، يحاول فيها الشخص العودة إلى الماضي من خلال ذكريات الشباب بطريقة ليست بالمسيئة، إلاّ أنها تتغير عندما تبدأ النفس محاولة التمرد على واقع الحال، ما يجعل المتقدمين في العمر يفكرون بالسفر، والبحث عن علاقات عابرة، إضافة إلى التفكير الجاد بالزواج من جديد. صرعات غريبة ليس غريباً أن تجد أحد الرجال يصبغ شعره الأبيض في أحد الصالونات الرجالية، ولا يقابل ذلك أي استهجان من قبل الشباب، أو مرتادي الصالونات لذلك التصرف، ولكن قد لا يتقبل البعض رؤية رجل تجاوز الأربعين يحلق شعره بقصة شبابية، أو من خلال ارتدائه لملابس لا تناسب عمره، وتجعل منه أضحوكة في وقت يفترض فيه أن يكون قدوة ومثالاً يحتذى. أكد "أحمد المرزوقي" -28سنة- على أنه شاهد في كثير من المرات رجال يصبغون شعر رؤوسهم في صالونات الرجال بموديلات ممنوعة رغبة في الظهور بمظهر شبابي أكثر، مبيناً أن هناك بعض الشباب ممن يعانون من كثرة الشيب يلجأون إلى صبغ شعرهم أيضا، ولكن أكثر ما يلفت الانتباه عندما يدخل رجل كبير في السن، وهو يرتدي ملابس شبابية غربية أو حتى من خلال ثياب فُصّلت بشكل ضيق، أو بتطريز وخطوط يضعها بعض الشباب كصرعات مغايرة عن العادة، ويعملون قصات الشعر بطرق منوعة، إلى جانب الذقن والشوارب بأشكال أشبه بنجوم السينما الذين اعتدنا منهم على الصرعات الغريبة، متذمراً من رجال كبار في السن شاهدهم خارج المملكة يتصرفون بشكل مخجل، ولا يليق بهم، حتى لمن هم أصغر منهم بعقود. متابعة الأبناء والأب في الوقت الذي تنشغل الأم بتربية أبنائها وبناتها، الأطفال منهم والكبار، وهو أمر متعب خصوصاً إذا وجد في المنزل أكثر من مراهق، لا يأتي في حسبانها الزوج الذي أصبح يغيب لفترات طويلة خارج المنزل، إضافة إلى جلوسه فترات طويلة يتصفح مواقع الانترنت والدردشة، إلى جانب إجرائه مكالمات ورسائل نصية في أوقات متأخرة من الليل، تجعله يقوم من فراشه؛ ليجري محادثات من خلال هاتفه الجوال. احتواء الزوج وذكرت "أم عبدالوهاب" أنها رغم ملاحظتها للتصرفات الصبيانية التي يقوم بها زوجها الخمسيني، إلاّ أنها حاولت بقدر المستطاع احتواء هذه المشكلة بالتعامل الحكيم معه، وعدم تصعيد المشكلة؛ لمعرفتها أن كثيراً من الرجال يمرون بمثل هذه التصرفات في مرحلة متأخرة من العمر، وهو ما يستدعي حسن التصرف، وعدم المبالغة في ردة الفعل؛ كي لا يحدث أمور غير مرغوب فيها، مشيرة إلى أنها حاولت التقرب بشكل أكبر لزوجها وتوفير أجواء مختلفة له عن ما اعتادوا عليه في السابق، وإشعاره أنه لازال شابا في نظرها، وهو ما ساهم بدرجة كبيرة في عدم ابتعاده عنها، وعدم إعطائه فرصة البحث عن مُكّمل الفراغ العاطفي والنفسي لديه. إلاّ أن تجربة "أم عبدالوهاب" قد لا تتناسب مع رجال آخرين يصعب السيطرة عليهم، وهو ما أكدته "سميرة" التي أشارت إلى أنها اعتادت بين الفترة والأخرى على سماع بعض الملاحظات من قبل أقارب أو حتى مجهولين عن المغامرات الصبيانية لأزواجهم في الخارج، وأحيانا داخل البلاد أيضا، مضيفة: "للأسف ما يرغمني على البقاء معه هو الأبناء، وخوفي من تشتتهم لو حدث انفصال بيننا، خصوصاً بعد أن أصبح رجلاً غير مبالٍ، وفاقداً للمسؤولية، ويكرر كثيراً أن له الحق في أن يعيش باقي حياته بالطريقة التي يريدها، متناسياً أن لديه مسؤولية أبناء وبنات، ومنزل يحتاج منه التواجد جسدياً وعاطفياً للمحافظة عليه". فراغ روحي أوضحت "منال الحامد" -أخصائية نفسية واجتماعية-أن أهم أسباب هذه المرحلة هو الفراغ الروحي، والذي قد يصيب الزوجين من خلال البرود والملل الذي يدخل في حياتهم ما يجعل هذه المرحلة "المراهقة المتأخرة" لا تقتصر على الرجل فقط، بل قد تصيب المرأة والتي يبدأ عليها الإحساس أنها أضاعت عمرها مع الشخص الخطأ، إضافة إلى التفكير في التضحيات الكثيرة التي قدمتها أو قدمها، وهو ما يؤكد أن مثل هذه المرحلة لا تقتصر على جنس دون الآخر. وقالت: "يساهم الفراغ الروحي بين الزوجين في محاولة أحدهما تصيد أخطاء الآخر، وإظهارها على أنها متعمدة لإقناع النفس، أنه من الضروري البحث عن شريك آخر يلبي كافة احتياجاته ومشاعره"، مبينة أن ذلك يؤدي لكل طرف أن يهتم بالجنس الآخر بشكل مبالغ فيه، مع الحرص الكبير على الظهور بشكل لافت يساهم في جذب الانتباه بطريقة تشابه ما يفعله المراهقون الصغار الراغبون بالظهور بمظهر الكبار أصحاب الانجازات والنجاحات، وهو الذي يفترض أن يبرزه الرجل الكبير بدلاً من اللجوء لصرعات أو تصرفات صبيانية، مشددة على أهمية أن يتعامل الفرد سواء كان رجلاً أو امرأة مع الحقيقة الفسيولوجية التي يعيشها بأكثر واقعية، وبدون أن يتجاهل المرحلة العمرية التي يمر بها، مع الانتباه للخطوط الحمراء التي لا يجب ان يتجاوزها وهي المعروفة بالقيم والمبادئ.