صراع لا ينتهي ذاك الذي يدور بين بشرى ووالدتها بسبب تصرفات هذه الأخيرة التي تثير ابنتها وتدفعها إلى الصراخ واختلاق المشكلات معها. فالمرأة التي فقدت زوجها قبل عامين في حادث سير لا تنفك تتصرف بطريقة لافتة للانتباه، غالباً ما تتسبب في انتقادات لاذعة من قبل الجيران والأقارب الذين يسخرون منها ويصفونها ب «المتشبثة بالحياة»، رغم تجاوز سنها الستين. وتقول بشرى إن والدتها تقوم بتغيير لون شعرها الأشيب أربع أو خمس مرات سنوياً، وتضع كميات مبالغاً بها من المكياج عند خروجها من المنزل لشراء بعض الملابس والأغراض، وأكثر ما يثير الفتاة هو أن والدتها تختار ملابس لا تناسب عمرها، سواء كانت في اللون أم الموديل. وتقول: «أنا شخصياً أتحاشى ارتداء بعض الملابس التي ترتديها والدتي، فهي لا تناسبني، ولا أدري لما تقدم هي على مثل هذه التصرفات الغريبة التي تتسبب بإحراجنا أمام المجتمع». بشرى لا ترفض تصرفات والدتها فحسب، بل ترفض فكرة اقترانها بشخص آخر في هذه السن المتأخرة. وتقول إن الأخيرة لا تدرك أن جميع الذين يتقربون منها من الشباب، إنما تجذبهم أموالها وليس جاذبيتها كأنثى كما تظن، وهي لا تجد أي طريقة مناسبة لإقناعها بالعدول عن فكرة الزواج. الحرج الذي تعاني منه بشرى مع والدتها ينسحب على جميع إخوتها الآخرين باستثناء احد أشقائها الذي يطلب منهم جميعاً الانصياع لإرادة الأم «المتصابية»، فهي والدتهم بأي حال كانت عليه ويتوجب أن يحتملوا كل شيء لأجلها بما في ذلك الكلمات الجارحة التي يتفوه بها المعارف والأقارب عن والدتهم. ففي مجتمع محافظ مثل المجتمع العراقي تتعرض النساء المتصابيات لانتقادات كبيرة على العكس من الرجال الذين من النادر أن يتعرضوا لمثل هذه الانتقادات رغم انهم يتصرفون بالطريقة ذاتها. ويقول حيدر إن والده يقوم بتصرفات غير منطقية لعائلته، لكنه على رغم ذلك لا يتعرض للانتقاد، بل إن عائلته هي التي تتعرض للانتقاد حينما تعارض مطالبه. فالرجل المسن لا يكف عن مهاتفة الفتيات الصغيرات بعد منتصف الليل، وهو غالباً ما يستخدم الأصباغ لتغيير لون شعره الأشيب إلى اللون الأسود، فضلاً عن اهتمامه المفاجئ بمظهره وحرصه على ارتداء ملابس أقل ما يقال عنها إنها لا تلائم سنّه ومرحلته العمرية. فالرجل المسن يعيب على زوجته أنها أصبحت مسنة، ولا تهتم بنفسها كما يجب، ويرى انه في عز شبابه وحيويته، وإنه يملك الحق في أن يفعل ما يفعله الشباب، وأن يحظى بصداقة الفتيات الصغيرات اللواتي يصغرن بناته بكثير. حيدر لم يدخر جهداً في إقناع والده بالتخلي عن تلك التصرفات المشينة لرجل في مثل سنه وحضه على أن يعيش مرحلته العمرية، لكنه ِأخفق في هذا الأمر بشكل كامل. ويقول: «قبل أيام فاتحته في قضية خطبتي، فرفض مدعياً أني يتوجب أن افكر في زواجه هو أولاً بعدما عثر على عروس مناسبة تصغره بأكثر من خمس وثلاثين عاماً». ورغم كل ما قاله حيدر عن والده فإن المجتمع لا يلوم كثيراً أمثاله، طالما كان رجلاً، بل إن بعض الأقارب يلومون حيدر ووالدته لأنهم لا يسمحون للرجل بالزواج والعيش كما يريد ويعدّون معارضتهم لرغباته ضغطاً على حريته.