في الوقت الذى ينشغل فيه العرب بما يحدث من تطورات وشد وجذب بين المكونات السياسية والعرقية ، استقبلت إسرائيل سيلفاكير، رئيس دولة جنوب السودان الوليدة فى زيارة خاصة، لتبحث إسرائيل فى مستقبل نفوذها الإقليمى، وتضع أيديها مباشرة على مقدرات المياه التى تعبر الجنوب قادمة إلى مصر. وبينما يترقب العرب مستقبل الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين على السلطة، خرجت الصحف الإسرائيلية علينا بتقارير تبشر قراءها بالخطى الثابتة التى تسير فيها حكومة تل أبيب نحو التواجد وبقوة في القارة الأفريقية عبر توسيع نطاق علاقاتها مع العديد من دول القارة السمراء , كل ذلك بينما ينشغل أقرب المقربين لجنوب السودان بالصراع، والهدم، والخطايا السياسية، والاقتصادية، والأمنية. فالأمر خطب وجلل ونذير خطر على الجميع بسبب ما تنتهجه تل أبيب من سياسة توسعية في أفريقيا بشكل عام وفي جنوب السودان بوجه خاص ويكفينا الإصغاء جيداً لما صرح به نائب وزير الخارجية الإسرائيلى داني ايالون في أعقاب زيارة سلفاكير إلى إسرائيل حيث وصفها بأنها تاريخية، مضيفا أنها أول زيارة يقوم بها رئيس هذا البلد الجديد , وزاد على ذلك بقوله إن هذه الزيارة لإسرائيل تعكس الصداقة العميقة والشراكة الطبيعية بين جنوب السودان وإسرائيل خاتماً حديثه بالقول إن العلاقات بين إسرائيل وجنوب السودان سوف تستمر فى النمو وهناك إمكانية كبيرة للتعاون , وأن زيارة سلفاكير مهمة جدا فى إقامة تعاون فى مجالات كثيرة، بما فى ذلك العلاقات الاقتصادية، والزراعة، والمياه، والطاقة، وأكثر من ذلك. والثابت هو أن علاقة جنوب السودان مع إسرائيل قديمة تظهر ملامحها فى الزيارات المكوكية لرئيس جنوب السودان لتل أبيب فهى تسعى دائماً لاستغلال هذه العلاقة للضغط على مصر والسودان، لتحقيق مصالحها رغم سعي مصر والسودان للتأكيد على استدامة العلاقات وتنميتها مع جنوب السودان. حيث إن إسرائيل كانت تدعم حركة التمرد منذ قيامها على أراضيها بجانب إرسالها للبعثات لتدريب المتمردين فى جنوب السودان وتأتي هذه الزيارة كتتويج للعلاقات القديمة بين تل أبيب وجوبا,ولهذا فإنه من الجائز القول وبشكل قاطع إن الزيارة هى إعلان لما كان يدور فى الخفاء قبل انفصال دولة الجنوب. كما يمكن القول إن تل أبيب تسعى إلى قطف ثِمار انفصال السودان خاصة أنها دولة بلا مقومات وتحتاج إلى مساعدات ضخمة من خلال تقديم مساعدات في المجالات الأمنية والاستخبارية والتنصت الإلكتروني، والتدريب والتسليح لجيش جنوب السودان، وتقديم الخبرة في المجال الاقتصادي والزراعي والمالي سعياً للهيمنة على مُقدرات هذه الدولة- جنوب السودان- والتأثير على صنع القرار السياسي فيها". وبدون شك فإن إسرائيل لديها إستراتيجية لتفكيك الدولة السودانية، وهي تسعى انطلاقاً من جنوب السودان لتنفيذ المرحلة الثانية لفصل دارفور وجعل السودان منطقة قلاقل وعدم استقرار، وسوف يؤدي في نهاية المطاف إلى حصار مصر من الجنوب، وتغيير التوازنات في منطقة حوض النيل، والقرن الأفريقي والتأثير على البحر الأحمر، وإغلاق ووضع مصر في صندوق وإغلاقه ومنعها من التمدد خارج حدودها، وجعلها تغرق في مشاكلها الداخلية، خاصة أن مصر الدولة العربية الوحيدة في المنطقة القادرة على مواجهة إسرائيل في المستقبل. إن التوجه الإسرائيلي نحو جنوب السودان ليس له ارتباط مباشر بثورات الربيع العربي، بل إنها إستراتيجية قديمة لإسرائيل تنفذها عبر خطط طويلة المدى ومقسمة على مراحل. وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل تستغل انشغال الدول العربية بالثورات للدفع بمُخططاتها إلى الأمام بالنظر إلى أن الدول العربية منشغلة بأوضاعها الداخلية وتَرَاجَعَ فيها الاهتمام بقضايا الأمن الإقليمي وملفات السياسة الخارجية وبذلك أصبح الملعب مفتوحاً أمام إسرائيل .