نقلت بعض الصحف عن مصادر مطلعة في المجلس الأعلى للقضاء، أن المجلس على استعداد لتلقي شكاوى المتضررين من تأخر قضاياهم المنظورة في المحاكم ، وأن الذين يعانون من تأخر مواعيد قضاياهم في المحاكم أو لديهم ملاحظات على بعض القضاة يمكنهم التقدم بشكوى إلى المجلس خصوصا أنه الجهة المعنية بذلك، وتتم إحالة كافة القضايا للجنة التأديب واللجان الأخرى المختصة بالمنازعات إضافة إلى وجود أربعة أعضاء دائمين في المجلس واثنين غير متفرغين، للنظر فيها. كما أكدت المصادر، أنه لا تزال هناك إشكالية في أعداد القضاة مقارنة بحجم السكان في المملكة، مشيرة إلى أن عددهم في حدود 1500 قاضٍ في مناطق المملكة. أؤكد ما أكدته مراراً أن حديثي لا يعني قفل الباب في وجه شكاوى الناس وسماع ملاحظاتهم وانتقاداتهم والتفاعل معها ومعالجتها ، ولو لزم الأمر أن يحاسب المتسبب فيها ، سواء القاضي أم غيره ، وأن هذا فريضة لا نافلة ، لكنه ليس بأسلوب الإعلان في الصحف بطريقة تسيء لمرفق العدالة ولسمعة القضاء وفي ديوان المظالم أصدر معالي رئيسه الشيخ عبدالعزيز النصار قرارا يقضي بإنشاء إدارة للدعم القضائي بهدف متابعة القضايا المتأخرة ومعرفة أسباب التأخر ووضع الوسائل المناسبة لمعالجة تأخرها، مع السعي لعدم تكرار تأخر أي منها، بما يضمن وصول الحقوق لأصحابها في أسرع وقت، وتقديم الدعم والمساندة للدوائر القضائية لإنجاز القضايا. وفي لقاء سابق لي بمعاليه أوضح أنه يهدف من إنشاء هذه الإدارة إلى تلمس العقبات التي تواجه القضاة في أداء أعمالهم ومساعدتهم على حلّها سواء أكانت في الإمكانات الإدارية أم في المشكلات القضائية لإعانتهم على الإسراع في إنجاز القضايا. ويتضح من كثرة الحديث عن تأخر القضايا ومن الخبرين السابقين أننا أمام مشكلة حقيقية واقعة تجعل وصول المتظلم إلى حقه بعد سنوات عجاف بلغ به اليأس والهمّ مبلغه ، وأصابه من الضرر والخسارة أحياناً أضعاف ما كان قد لجأ إلى القضاء لأجله ؛ تجعل ذلك ظلماً لا يرفعه الحكم القضائي الصادر بعد كل هذه التضحيات. وفي ظل كثرة حديث المسؤولين عن القضاء عن مشكلة تأخر البت في القضايا ، وتناول كل ٍ منهم لها من زاوية ٍ مختلفة ، يظهر الفرق الكبير بين أسلوبين في التعامل مع هذه المشكلة، أحدهما لا ينظر إليها إلا على أنها وسيلة ٌ للتحقيق والتأديب والتفتيش على القضاة ، ووضعهم في زاوية الاتهام الأولى إلى أن يثبتوا براءتهم ، وينادى عليهم في الناس بأن يتقدم الناس بالشكاوى ضدهم ، ما لا ينم عن فهم ٍ لطبيعة القضاء ولا واقع المحاكم وما تواجهه من إشكالات. وليس هذا الأسلوب بعيداً عما سبق لي أن علقتُ عليه في مقال ٍ سابق من إيلام مشاعر القضاة وزيادة الضغط النفسي عليهم بمناسبة إصدار لائحة التفتيش القضائي التي تناولتها كثير ٌ من وسائل الإعلام بأوصاف ٍ لا تليق باحترام أمة لقضائها. وكان من تلك التعليقات الإعلامية: (البدء بتلقي الشكاوى بحق القضاة السعوديين)!! وكأن القضاة السعوديين أحدثوا ما يستوجب المحاكمة. ولم يحرك المجلس حينها ساكناً أو يستنكر أو يصحح ، بل اعتبر هذه الأخبار مما يضاف لسجل إنجازاته. وهذا الأسلوب لايمكن أن يقود إلى إصلاح بل إلى زيادة فساد ، كما أنه ليس سوى فرقعات ٍ إعلامية لا تمت لواقع المحاكم بصلة، ولا تدرك حقيقة المشكلة. أما الأسلوب الثاني فهو الذي ينطلق من إدراك مكمن الخلل ، والبعد عن التشكيك في القضاة واتهامهم بالجملة ، وعدم وضعهم موضع المزايدات التي لا تليق بمكانة القضاء ، والإيمان بأن القاضي يعاني في مكتبه ما قد يعانيه أطراف الخصومة ويصيبه من الهم والغم ما يصيبه في سبيل القيام بأعباء هذه الوظيفة الثقيلة مع قلة التقدير وكثرة العوائق. وهو ما وفق إليه معالي رئيس ديوان المظالم بإنشاء الإدارة التي تختص بإعانة الدوائر القضائية على مواجهة ما يعترض عملها من عوائق تمنع سرعة الإنجاز. وفي لقاءاتي مع معاليه كان يحرص على تلقي الملاحظات والنقد لتلافي ما قد يحدث من قصور في العمل ، لكن مع الحفظ التام لمكانة القضاة وعدم زيادة الضغوط عليهم التي تمنع من العمل وأداء الواجب على الوجه المرضي. وليت أن مجلس القضاء أدرك أن تأخره عن إنجاز الكثير من الخطوات العملية المفترضة عليه مما ورد في نظام القضاء الصادر منذ عدة سنوات أن ذلك هو السبب الحقيقي لتأخر القضايا وإرباك عمل المحاكم ، خاصة ً في ظل ما يشهده داخل المجلس من صراعات لم تعد خفيةً، وأصبحت حديث القضاة ، قاصيهم والداني. وعلى سبيل المثال فالمجلس إلى اليوم لم يبدأ في تشكيل الدوائر الإنهائية في المحاكم العامة بالمناطق وفقاً للمادة (19) من نظام القضاء ، رغم أن فضيلة رئيسه صرّح قبل أيام أن 50% من القضايا هي قضايا إنهائية !!. كما أنه ما يزال مستمراً في تفريغ العديد من القضاة لأعمال إدارية في نفس الوقت الذي يؤكد فضيلة رئيسه وناطقه الرسمي أن لدينا نقصاً حاداً في أعداد القضاة !!. وإذا كان المجلس استشعر وجود مشكلة حقيقية في تأخر البت في القضايا وصلت لدرجة إعلان فتح الباب للمتضررين لتقديم شكاواهم ، فعن أي إنجازات يتحدث المجلس أنها تحققت في فترة قصيرة ، في ظل الإخفاق في أعقد الملفات. فهل من الإنجازات إعلان افتتاح المحاكم التجارية منذ عدة سنوات ولا ندري إلى الآن أين موقعها إلا على الورق ؟ أم هل من الإنجازات الإعلان عن افتتاح محاكم الاستئناف في مناطق المملكة التي ما تزال تعمل عمل محاكم التمييز وليس لها من اسم الاستئناف نصيب ؟ لماذا الاستعجال في إعلان إنجاز ٍ ما يزال كائناً ورقياً لا واقعاً عمليا؟ أم هل من الإنجازات أن يتبنى المجلس الكثير من الأعمال الرائدة التي قامت بإنجازها بالكامل وزارة العدل (ما يدخل في صميم اختصاصها) مثل الإنجازات التقنية حيث أعلن فضيلة رئيسه أن المجلس رغم عمره القصير والذي يعد في طور التأسيس استطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات والتطورات واستخدام التقنية الحديثة والوسائل الإلكترونية للاطلاع على سير إجراءات التقاضي بهدف التواصل مع الأطراف المعنية في المنازعات المنظورة أمام القضاء، جاء ذلك في لقائه لجنة المحامين في غرفة القصيم. إنني أدعو مجلس القضاء قبل أن يفتح الباب لتلقي الشكاوى بحق القضاة أن يفتحه لتلقي شكاوى القضاة ، فيسمع منهم ما قد يفاجئه من إشكالات ومصاعب وهموم احتملوها في سبيل أداء هذه المهمة الجسيمة ، وأن يسعى جاهداً بالتضافر مع بقية الجهات القضائية المسؤولة إلى إظهار ولو طرف الجزرة للقضاة الذين لم يظهر لهم من سنوات سوى صفحة العصا ، وفقاً لقاعدة (العصا والجزرة) وأن يبذل المسؤولون عن القضاء غاية جهدهم للرفع إلى ولاة الأمر باحتياجات القضاة وهمومهم ومطالبهم التي إذا توفرت لهم فلنفتح باب مساءلتهم على مصراعيه ، وإلا فإن المجلس يشاهد كثرة من يتقدم باستقالته أو طلب تقاعده منهم وليت كل من قدم ذلك يُسأل عن السبب لأدركنا حينها أن كثيراً من القضاة لا يبقيه في القضاء إلا عدم وجود بدائل. وقبل الختام أؤكد ما أكدته مراراً أن حديثي لا يعني قفل الباب في وجه شكاوى الناس وسماع ملاحظاتهم وانتقاداتهم والتفاعل معها ومعالجتها ، ولو لزم الأمر أن يحاسب المتسبب فيها ، سواء القاضي أم غيره ، وأن هذا فريضة لا نافلة ، لكنه ليس بأسلوب الإعلان في الصحف بطريقة تسيء لمرفق العدالة ولسمعة القضاء وتبعث المزيد من الإحباط في نفوس القضاة الذين أعرف أن كثيراً منهم عندهم ما يكفي منه. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه..