في زمن مضى عملت في مجال الإعلان. زمن توهمنا فيه دخول الإعلان التجاري المنظم أو المدروس أو المحترف سمه ما شئت. لكي أكون على قمة المهنة قرأت عدة كتب في المجال وراسلت مجموعة من الشركات الكبرى في العالم وبعد مجالدة مع العمل خرجت من الصنعة خسران ماديا ولكني كسبت المعرفة النظرية ولله الحمد. ما يكفي للسواليف في المجالس والمقاهي والسهرات وكتابة المقالات كمقالي هذا. لا اتابع كثيرا هذه الصناعة فاهتمامي توقف في الثمانينيات من القرن الماضي. بصراحة وبدون غرور أستطيع القول ان ثقافتي الإعلانية ووعيي بالإعلان مازالا متقدمين على الأنظمة والقوانين المنظمة للإعلان في المملكة. قد يكون التعبير غير مناسب. لا يمكن أن أعتبر معرفتي متقدمة على الأنظمة والقوانين في المملكة لأنك لا يمكن أن تكون متقدما على شيء غير موجود. ثقافتي متقدمة بالتزكية وليس بالمنافسة. الإعلان في المملكة بالمليارات والبضائع والخدمات المعلن عنها لا حصر لها. آلاف الأسر في العالم العربي تعيش من الإعلان الموجه للسوق السعودي. هذه المنظومة الهائلة لا يوجد لها قانون واحد ينظمها ولا نعرف أصلا من هي الجهة المسؤولة عن تنظيمها. اسمحوا لي أن أرجع إلى الكوميديا الوطنية قليلا. أستطيع وبكل سهولة أن أجمع مكتبة كاملة في حجم مكتبة الملك فهد من الجرائد والخطب والحوارات والإعلانات والنصائح عن تأثير الخدامات على مجتمعنا اليوتبي. أستطيع أن أبوب وأصنف هذا الحشد الهائل. تأثير الخدامات على اللغة, تأثير الخدامات على الأخلاق, تأثير الخدامات على الأطفال, تأثير الخدامات على العقيدة, ولا يستطيع أحد أن ينسى دور الخادمات في السحر ونتف الشعر المحصلة في المطارات من حقائب الخدامات (يا للهول). إذا التفتنا إلى صناعة الإعلان لن نجد مقالات وخطبا ومواعظ تخص الإعلان وترقى إلى مستوى (يا للهول) الثانية المتعلقة بالكوميديا السعودية الأخرى القائلة ان الغرب سلع المرأة ( أي حولها إلى سلعة). أما تأثير الإعلان على الثقافة وعلى الصحة وعلى الذوق وعلى الرأي فلا وجود لها. يعطيني هذا انطباعا أننا نعيش عصورا متقاطعة لا عصرا واحدا. ندرك الوهم ونستطيع أن نتعامل معه بكل احتراف ومهنية ولكننا لا ندرك الحقيقة الساطعة أمامنا. نتف من الشعر تحصل في المطارات تشغل المجتمع والمؤسسات الرسمية. سؤال جانبي (هل تعاد هذه النتف إلى أصحابها بشكل رسمي وموثق أم تسلم لخبراء الهيئة لتفكيكها ثم تدميرها لحرمان الجن من الوصول إليها؟) في الوقت الذي تشغلنا فيه هذه النتف العظيمة لا نجد من يهتم ببحث شؤون الإعلان وتأثيره الاقتصادي والثقافي على المجتمع. من قال ان الشعر الأشقر أجمل من الشعر الأسود؟ المسألة ليست صبغة المسألة تغيير في مفهوم الجمال. أكثر من ثمانين في المائة من نساء العالم اليوم يصبغن شعورهن باللون الأشقر( الماش) أو يضعن لمسات منه. الإعلان يصنع النموذج ويفرض الحاجات ويرتب العادات لتتفق مع البضائع المصنعة. لا أريد أن نغرق أيضا في القضايا الثقافية بالصورة المرعبة التي نعيشها كل يوم. قضية يفترض أن ينظر إليها أولا من الناحية المهنية والتنظيمية. الحقوق والمساحة والصدقية والمبالغة والمليارات التي يستفيد منها إخواننا العرب والعجم ويحرم منها الاقتصاد السعودي.