"يحارب" الأسير والأسيرة المحرران نزار وأحلام التميمي من أجل دخول القفص الذهبي، بعدما تحقق حلمهما بالانعتاق من سجون الاحتلال ضمن المرحلة الاولى من صفقة تبادل الاسرى في 18 تشرين الاول/أكتوبر 2011. نزار وأحلام ابنا عمومة من قرية النبي صالح شمال غربي رام الله، جسدا بعلاقة الحب والانسجام التي جمعتهما، وعقد قرانهما وهما خلف القضبان، قصة أمل واصرار فلسطينية غير مسبوقة في تحدي السجن والسجان والانتصار لفضيلة الحياة. وكان نزار سمير التميمي (38 عاما) يمضي حكما بالسجن المؤبد اثر عملية ضد الاحتلال نفذتها خلية تابعة لحركة "فتح" في العام 1993. وقد تحرر ضمن صفقة شاليط وعاد الى بيته برام الله. اما خطيبته احلام عارف التميمي (31 عاما) فكانت تقضي حكما بالسجن المؤبد 16 مرة، اثر ضلوعها في هجوم لكتائب القسام على مطعم "سبارو" بالقدس في العام 2001. وقد تحررت وأبعدت الى الاردن. ظلت احلام هي الطفلة ابنة الثمانية اعوام في مخيلة نزار الذي رآها مرة خلال زيارة لاسرتها التي تقيم في الاردن الى قريتها النبي صالح، الى ان جاءت لزيارته في سجنه في 10/12/1998، فكانت البداية الفعلية لتلك العلاقة الروحية التي جمعتهما فيما بعد. ويقول نزار ل"الرياض" التي التقته في بيته برام الله: "احلام عرفت نزار قبل ان يعرفها. وقد ارتبطت بي وجدانيا اثر العملية التي سجنت بسببها، وبعدها استمرت العلاقة وتوطدت عبر الوسائل المتاحة للتواصل". ويضيف:" كنا نعرف ان هناك معوقات كثيرة تواجه علاقتنا خاصة في ظل وجودي في السجن، ولكن عندما اعتقلت احلام في 14/9/2001 وصدر بحقها حكم بالسجن المؤبد 16 مرة، بات تجمعنا مشاعر واحدة ومصير واحد، واصبح من الضروري اعطاء علاقتنا بعدها الشرعي بعقد القران وهو ما حصل في 9/8/2005". وعما اذا كان قرار الارتباط دافعه معنوي، لاسيرين يقضيان احكاما عالية، قال نزار: علاقتنا كانت طبيعية في ظرف غير طبيعي. انا واحلام لم نجتهد كثيرا في هذا الجانب وحاولنا بمحبتنا ان نلغي المكان (السجن) بمفهومه المادي، وان نتحدى عبودية حاول السجان ان يفرضها علينا لقتل حياتنا واستلاب انسانيتنا. عندما حسم نزار واحلام التميمي قرارهما بالارتباط لم يكن لدى المقاومة الفلسطينية اي جندي اسير، وما يعنيه ذلك من صفقة تبادل ممكنة. لكن الأمل ظل دوما النافذة التي ينظران- كباقي الاسرى- من خلالها الى المستقبل والى الحرية المنشودة. وقال نزار "المستقبل كان جزءا اصيلا في علاقتنا، ومعا رسمنا تفاصيل حياتية كثيرة ولم نشعر ولو للحظة انها لن تتحقق. علاقتنا أمدتنا بهذه الطاقة، والحمد لله استطعنا معا ان نتجاوز هذه المرحلة الصعبة وان نتشارك في كل كبيرة وصغيرة." ونوه نزار الى اللقاء الاول والاخير الذي "جمعه" بخطيبته احلام، وقال: في قانون مديرية السجون الاسرائيلية يحق للزوج الاسير ان يلتقي زوجته الاسيرة مرة كل ثلاثة شهور.. لكنني واحلام فرض علينا منع مشدد. فجأة ابلغنا بان لنا زيارة في 30/3/2010، بعد خمسة اعوام من الخطبة. وكانت من خلف زجاج وعبر الهاتف، فادركنا ان المخابرات هي التي رتبت اللقاء.. وبالفعل نقلت احلام بعد اربعة ايام الى مركز تحقيق "بيتح تكفا" وجرى التحقيق معها لأربع ساعات. وعما اذا كان لارتباطه باحلام دور في تحرره، قال نزار: علاقتي باحلام نشأت في سياق بعيد عن اي اعتبار. ولكن وجودي في هذه الصفقة ارتبط ارتباطا كليا بها، حيث اخذ البعد الانساني في هذه القضية. فتحرير اسيرة متزوجة من اسير لا تنتهي معاناتها الا اذا تم تحرير زوجها. هذه هي القاعدة التي انطلق منها الاخوة القائمون على الصفقة. التجربة الاصعب في الحياة ويتذكر نزار التجربة الاصعب في حياته، وهي استشهاد والدته بعد اقل من شهر على اعتقاله، حيث كان لا يزال يقبع في ظروف صعبة ومؤلمة في زنازين التحقيق الاسرائيلية. ويقول "استشهاد الوالدة لازم عملية اعتقالي( 9/11/1993) وارتبط بها. فبينما كنت في زنازين التحقيق، حضرت الوالدة واخوتي للمحكمة العسكرية، وهناك وقع تلاسن مع احدى المجندات، تم على اثره الاعتداء عليها، ونقلت في وضع حرج الى المستشفى، وكان ذلك في يوم خميس، وعندما دخلت قاعة المحكمة وجدت اخوتي ولم يخبرني احد بما حصل. واضاف: يوم الاحد التالي جاء احد السجانين واخبرني ان لي زيارة اهل وقد كان ذلك غريبا في ظل وجودي في التحقيق. كانت اختي بالانتظار وقد دار بيننا حديث قاس ومر، وابلغتني ان الوالدة في حالة موت سريري وفي اي لحظة قد يحدث الاصعب، وبعد يومين انتهت فترة التحقيق ونقلت الى سجن رام الله وهناك ابلغت بخبر وفاتها. "الى ولدي مع الاعتذار" شكل انتزاع نزار من بين يدي والده الدكتور سمير التميمي الكاتب واستاذ اللغة العربية في جامعة بيرزيت، صدمة وألما حقيقيا للوالد الذي تربطه بابنه علاقة صديق بصديقه ولا يزال يراه الطفل رغم بلوغه العشرين عند اعتقاله. فقرر الوالد ان يفتح نافذة للحرية لابنه الغالي عبر سلسلة من الرسائل جمعها في كتاب تحت عنوان " الى ولدي مع الاعتذار". وعن هذه التجربة الفريدة يقول نزار: اول رسالة بعث بها الوالد كانت في العام 1994، تحدث فيها بحنين مجبول بصلابة الاب الذي يمثل القائد والقدوة، وفيها عاهدني ان يكون منفذ الحياة لزنزانتي، واتفقنا ان اكتب له عن كل تفاصيل الحياة في الاسر. واضاف: انقطعت رسائله وتفاجأت في العام 1998 بزيارة له اخبرني فيها بانه جمع سلسلة رسائله التي نشرها في الصحف المحلية في كتاب، كتب مقدمته الروائي المرحوم عزت الغزاوي الذي عاش هو الاخر لوعة فقدان ابنه رامي الذي استشهد برصاص الاحتلال في الفترة ذاتها.. وكانت تجمعه علاقة صداقة مع العائلة.. وتابع: التقطت الكتاب مثلما يلتقط طفل لعبة وعدت لغرفتي قرأت المقدمة وقد كانت مؤثرة وفيها جرح بليغ، والرسالة الاولى التي سبق ان ارسلها لي والدي وبضعة سطور من الثانية ولم استطع ان اكمل. ولم اعد لقراءة الرسائل الا في العام 2000 عند تفجر انتفاضة الاقصى، حيث اصبح الجرح والوجع عاما واكبر من جرحي الشخصي، وهو ما اعطاني دفعة حقيقية للقراءة.. واستمر التواصل مع الاهل عبر الرسائل. وعما اذا كان يتوقع ان يرى الحرية بهذه الطريقة وبهذا الشكل، قال نزار: بعد تجربة اوسلو وما وقع علينا نحن من اسمينا "دائرة الاسرى القدامى"، من غبن واجحاف وعدم حل ملف الاسرى بشكل سليم، وباعتراف المفاوض الفلسطيني نفسه، وصلنا الى نتيجة ان حريتنا لن تاتي الا بفعل ابداعي اخر، وحصول هذا الفعل في لحظة ما، بث الامل الكبير في النفوس، حيث شعرنا ان حريتنا باتت على الابواب.. ورغم عدد الاسرى الكبير وضيق المساحة الممكنة، الا ان الجميع كان يأمل ان يكون ضمن الصفقة المرتقبة. زواج.. تجسيد للوحدة الفلسطينية والان يستعد العروسان المحرران، كل في مكانه، نزار في رام الله واحلام في الاردن، لتجسيد الحلم، وتتويج العلاقة التي جمعتهما رغم الجدران وبطش السجان، باستكمال مراسم الزواج، والعيش معا تحت سقف واحد، ولو كان ذلك بعيدا- قسرا- عن ارض الوطن. ويقول نزار: عرس نزار واحلام ليس عرسا شخصيا بل وطني بامتياز ويجب ان يشارك فيه الجميع. دعوتنا مفتوحة لجميع ابناء شعبنا وقيادتنا السياسية بمختلف انتماءاتها وتسمياتها. نتمنى ان نستكمل العرس كما نأمل ان يكون لبنة في بناء جسر المحبة والوحدة بين الفصائل. زواجنا هو تجسيد حقيقي للوحدة بحكم اختلاف انتماءاتنا السياسية، مع انني واحلام يفوق انتماؤنا لفلسطين اية احزاب او فصائل.