لسلطان الخير - يرحمه الله - مآثر جمة وخصال فريدة ليست في أعمال الخير والمبادرات الإنسانية فحسب، بل في مجالات متعددة شملت أوجه الحياة كافة في المجتمع السعودي من عسكرية واقتصادية وفكرية وتنموية وامتد تأثيرها خارجيا، وهي أعمال يقف التاريخ الإنساني أمامها مقدرا ومعتزا بها، كونها اتسمت بصفات عدة لا يقوم على أمرها سوى رجال أفذاذ لا يتكررون إلا كل قرون عديدة. قدم الأمير الراحل أكثر من ستة عقود من العطاء المتواصل لخدمة الدين والوطن والمواطنين منذ توليه إمارة الرياض في عهد والده المؤسس ثم توليه أكثر من حقيبة وزارية، وحتى تعيينه وزيرا للدفاع والطيران، كان مؤمنا بأن الشعب والقيادة خندق واحد ومصير واحد وقوة واحدة، اعتبره الناس كالغيث الطيب الذي لا يمر على جدب إلا ويحيله إلى خضرة ونماء، كان بمثابة قاطرة خيرية إنسانية شملت بظلالها ذوي الحاجات من فقراء وأرامل وأيتام ومرضى ومعاقين. وكان له دور مهم في بناء علاقات متينة ومتطورة بين السعودية ومختلف دول العالم، وأسهم في إيجاد قدرات ذاتية للسعودية في مجالات وتقنيات حيوية مثل الطيران والإلكترونيات وتوسيع القاعدة الصناعية وتطوير الصناعات النفطية، وتنويع مصادر الدخل، ونقل التقنية المتقدمة إلى المملكة وتوطينها والمساهمة في زيادة فرص الاستثمار والفرص الوظيفية للمواطنين وتعزيز دور القطاع الخاص في جهود التنمية الوطنية. ومن الأمور اللافتة للنظر أن سلطان الخير –رحمه الله- كانت له رؤية تنموية ثاقبة، ففي المناطق العسكرية التي أقيمت في العديد من مناطق المملكة سواء في حفر الباطن أو في تبوك أو المنطقة الجنوبية، لم تكن مناطق عسكرية بالمفهوم التقليدي، بل كانت مراكز حضرية تنموية لخدمة المنطقة وسكانها، كانت مشعل معرفة وعلم ودعم لخطط الدولة في التنمية بالمواطن والنهوض به من خلال ما تقدمه من خدمات طبية وفنية وعلمية وغيرها، ومن ثم نجح في أن يجعل من أحد قطاعات الدولة المهمة نموذجا عمليا لخدمة الوطن والمواطن وهي رؤية كانت تنم عن شخصية فذة أدركت الدور المنوط بالجيش في تأمين وخدمة حدوده من ناحية ودعم ومساندة المواطنين من ناحية أخرى، إنها جهوده الصادقة التي حوّلت وزارة الدفاع من مؤسسة عسكرية إلى خدمات صحية واجتماعية وثقافية للمواطنين. لقد كانت تعليمات الأمير الراحل لتلك القواعد العسكرية بالمساعدة على تحسين ظروف المحتاجين وتلبية متطلبات الحياة الكريمة للأسر ذات الدخل المحدود، وتطوير قدراتهم الإنتاجية ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع السعودي، وهو ما تحقق بالفعل وكانت نتائجه غير مسبوقة. كما كان الراحل أول رئيس ومؤسس لهيئة السياحة، حيث شهدت الهيئة على يديه دفعة قوية نحو دعم وتقوية صناعة السياحة باعتبار أن المملكة تحتضن مواقع أثرية كثيرة، وأنه بات من الضروري الاهتمام بهذا القطاع ليكون رافدا مهما لدعم الاقتصاد الوطني، وهو ما بدأت نتائجه تظهر في الأيام الحالية. لقد كان الأمير الراحل نموذجاً حيّاً للقيادة الواعية، حمل مسؤولياته السياسية والاجتماعية والإنسانية بصدق المؤمنين وعزيمة الرجال، وخاض غمار المهمات الكبرى لم يتوان عن البذل والعطاء، ولم يتخلف عن مواقف النبل والتضحية، بل كان سباقاً إلى المكارم السامية التي أهلته للاحترام في المملكة وفي أرجاء العالم، وبوأته مكانة في قلوب أبناء المملكة الأوفياء، الذين بادلوه الحب والوفاء والعطاء. تغمد الله الأمير الراحل بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.. إنه سميع مجيب. * رئيس لجنة السياحة الغرفة التجارية والصناعية بالرياض