بكل الأسى والحزن استقبلنا نبأ رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، سلطان الخير، ووجه الإباء وشمس الوفاء وقائد الكرماء. ولأن التأريخ يخلد سير الأبطال والقادة والعظماء، ويجيد تطريز أيامه بذكر مآثر النبلاء وقادة الأمم والشعوب؛ كان لابد أن يتوقف التأريخ مرات، ويطيل الرصد والتحبير والوقفات لرجل قائد كان يوم ميلاده يوماً لتأريخ متفرد ومتميز بحد ذاته. ففي مدينة الرياض ولد ونشأ وترعرع ذلك الشبل في كنف مؤسس الدولة السعودية، وباني كيانها الشامخ والده الملك عبدالعزيز _رحمه الله_، شبل يولد في حضرة قائد وأسد من أسود أعظم ملاحم البناء والتوحيد. ميلاد أرخ لبداية حقبة مجيدة لرجل عشق العمل، والفروسية، ومجالسة العلماء؛ فاستقى منذ أن كان شبلا يافعا دررا من العلوم الدينية والمعارف والثقافة الأصيلة التي برقت سريعا في تكوين شخصيته التي بانت ملامحها القيادية مبكراً. لازم الأمير سلطان بن عبدالعزيز_ رحمه الله _ والده الراحل منذ نشأته الأولى، وتحلى بكريم الخلق، ونهل من نبعه كرم الرجال وقيم الفرسان، وسرعان ما اكتسب من الملك المؤسس حكمة القادة والزعماء. كما تأثر الأمير سلطان _ رحمه الله _ في إشراقة حياته بأخيه الملك فيصل بن عبدالعزيز وشاركه في رحلاته الخاصة والدولية، وحتما كان لذلك عظيم الأثر في نهجه وسيرة حياته المليئة بالمهام والأعباء، ومواجهة التحديات، والمسؤوليات. حمل الأمير سلطان لواء المسؤوليات العظام في مقتبل عمره، وأهلته خبرته وصفات شخصيته القيادية ليكون أميرا للرياض سنة 1366ه. وعقب تشكيل أول مجلس وزراء في المملكة عين الأمير سلطان وزيرا للزراعة سنة 1373ه، ومن أهم المشروعات التي تبناها توطين البدو، ومساعدتهم على إقامة مزارع حديثة، وهو مشروع مهم لرسم توجهات دولة تسابق الزمن في خطواتها التنموية والحضارية. وفي العشرين من شهر ربيع الأول سنة 1375ه، عين الأمير سلطان وزيرا للمواصلات، وحققت المواصلات في تلك الفترة نقلة نوعية في عملها حيث تم إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتم إنشاء طريق السكة الحديدية بين الرياض والدمام. وفي الشهر الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة 1382، عين الأمير سلطان وزيرا للدفاع والطيران، وقد شهدت القوات السعودية المسلحة منذ تلك الحقبة حتى الآن تطورا مذهلا شمل كافة القطاعات البرية والجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي، وفي سنة 1402ه ، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلطان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب كونه وزيرا للدفاع والطيران، ومفتشا عاماً. وإلى جانب هذه المسؤوليات الجسام ترأس الأمير سلطان العديد من اللجان ومنها اللجنة العليا لسياسة التعليم، واللجنة العليا للإصلاح الإداري وغيرهما، وترأس الهيئة العليا للدعوة الإسلامية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، واللجنة الوزارية للبيئة، إلى جانب ترؤس سموه لمجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية، ومجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية، واللجنة العليا للتوازن الاقتصادي، كما رأس سموه الموسوعة العربية العالمية التي أصدرت طبعتها الأولى سنة 1416ه . وعندما يأتي الحديث عن أعماله الإنسانية الجليلة فإن سجلات التأريخ لا تكفي لحصر تلك الأعمال والمشاريع والمنجزات التي طالت بخيرها القاصي والداني، وانتفع بها المسلمون في قارات الدنيا بأسرها، ويسجل التأريخ لأمير الإنسانية وصاحب الأيادي البيضاء السخية صفحات إنسانية خالدة لأب حان وإنسان شهم وكريم مسح دموع اليتامى والأطفال، وعطف على الكبير والمقيم إذ شملت إنسانيته وكرمه الفياض كل من ألمت به مصيبة أو حلت به نائبة من نوائب الزمان. قائد مظفر ومحنك بنى وأعطى وبذل بسخاء فكان الجود عادته، والعطف والأبوة الحانية من صفات شخصيته الطيبة التي رسمتها ابتسامته الوضاءة وكلماته الإنسانية المشهودة. وفي يوم الاثنين من شهر جمادى الآخرة سنة 1426ه، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمر الملكي السامي بتعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائبا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى ولاية العهد. وتقديرا لأعمال هذا القائد المغوار والفارس الهمام فقد نال الأمير سلطان بن عبدالعزيز أوسمة الإنجاز الرفيعة لجهده في ميادين العمل الخيري والإنساني على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقد اختارته جامعة (( كرانفيلد)) البريطانية لعلوم الفضاء والطيران ليكون شخصية العام سنة 1424ه، ومنحته الدكتوراه الفخرية للجامعة لما قدمه في مجال الطيران المدني والعسكري، كما حمل وشاح الملك عبدالعزيز الذي يعد أعلى وسام في المملكة. أوسمة عديدة وجوائز تشرفت بمقام وعطاء سموه، ومعالم تقدير تشرفت بأعماله الخيرية التي عمت الجميع ،بمن فيهم الأطفال المعوقون وذوو الاحتياجات الخاصة لذلك استحق جائزة جمعية الأطفال المعوقين للخدمات الإنسانية عام 1418ه. إن منجزات ومفاخر ذلك القائد الملهم حققت للمملكة شأوا لا يجارى، ووضعت للوطن الغالي موقعا حضاريا فريدا بين كافة الأوطان في أصقاع المعمورة، ويحق للسعودية ولشعبها أن يحزن لفراق قيادة سعودية نهضت بالدولة فجعلتها في مصاف الدول العالمية المتقدمة . رحمك الله ياسلطان الخير وأسكنك فسيح جناته.