بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله تفقد المملكة العربية السعودية والأمة العربية والإسلامية رجلا من أعظم رجالاتها في العصر الحديث، فقد فاق بشخصيته المميزة جميع المناصب الحكومية العليا التي تبوأها، فكان بشخصيته المثالية قلبا مفتوحاً يستوعب الجميع وهو يطبق رحمه الله ما عرف في المملكة وخارجها بسياسة الباب المفتوح التي سنها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، وسار عليها أنجاله الأفاضل واستحق رحمه الله بكل جدارة وامتياز اللقب الذي درج العامة والخاصة على إضافته على اسمه (سلطان الخير)، فكان كما قال الشاعر العربي : وخير الناس ذو حسب قديم أضاف لنفسه حسباً جديدا رحمه الله، فأعماله كلها للخير وأقواله كلها في الخير ونصائحه وإرشاداته كلها للخير، فهو الشجاع في الخير والكريم في الخير والسياسي في الخير ، وعلى فعل الخير يثاب المسلم وعلى تركه يعاب، لقد كان رحمه الله محباً للخير ويحب من أجل الخير ومحبوباً لأفعال الخير التي كانت غايته في كل حركاته وسكناته ويقظته وغفلته. في العلن خير وفي السر خير، ولا غريب أن يأتيه الخير من كل جانب ويلتصق به (..وفي عنق الحسناء يستحسن العقد ..). ما عرفناه رحمه الله إلا بشوشاً متهللا مقبلا للبذل والعطاء وكأنه الموهوب لما يهب.. يتحسس حاجة المحتاج ويعطيه من غير إحراج، ومؤسساته الخيرية الظاهرة للعيان غنية عن البيان. كان لنا في حياته رحمه الله دروس حية في البذل والسخاء لليتيم والمسكين والمحروم والمحتاج، ووجب علينا تطبيق هذه المثل ونقلها للأبناء والأحفاد، وحق لنا أن نفخر به وأن نمدحه وأن نبكيه ونرثيه، فالكرم يستلهم من وجهه إشراقه والنخوة تشيد به حين تتجمل وبمثله يضرب المثل ولمثله يحسن البكاء، ويرجى له بإذن الله الرحمة والجنان فهو من القلة القليلة القادرة بعد عون الله له على التمام، فهو الكثير والرجال قليل، وهو عديد الألف في وقت أصبح الألف لا يساوون الواحد، وهو الواحد الذي امتد خيره لأمته العربية والإسلامية. لذا فإن حزننا على فقدانك يا سلطان الخير، وإنا لله وإنا إليه راجعون، هو كما قال الشاعر العربي: وحزن نفسي عليك من كرم وهو على من سواك من خور كان سلطان رحمه الله فذاً في تعامله مع مواطنيه وكرم خلقه وبعد نظره، ولا عجب في ذلك فهو خريج مدرسة مؤسس هذه الوحدة المباركة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي أساسها على مخافة الله والتمسك بتعاليم الإسلام، فهو إذا أحب أحب في الله وإذا أبغض أبغض في الله. لذا فإن مصدر محبه القاصي والداني لسلطان تأتي متماشية بإذن الله مع ما جاء في الأثر(إن الله إذا أحب عبداً أحب به عباده)، ولا يفوز بدرجة المحبة العليا عند الله إلا الذي يكون الأنفع لعباد الله كما جاء في الحديث الشريف (الخلق كلهم عباد الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله). إن نفع الآخرين ومساعدتهم هي الصفة البارزة على جميع أخلاقه الفاضلة والطاغية على جميع سجاياه المتعددة الجوانب، وما أزكاها من صفة وما أنبلها من صفة استحق بها سلطان الخير صفة العالمية بشهادة أهل الشرق والغرب، فبعد فعل (أحب) يأتي فعل (ساعد) كأجمل فعل بالعالم كما قال أحد المفكرين الغربيين. والحديث عن سلطان يكسو حديث كل محدث حللاً وعقوداً ودرراً سواء كان الحديث عنه مدحاً وثناء أو كان الحديث عنه إنا لله وإنا إليه راجعون نعياً ورثاء، فهو معين لا ينضب من المكارم والفضائل والمثل لا نستطيع أن نوجزها في مقال ولا أن نحيط بها أو نحصرها في كتاب. فسلطان الخير إذا أردنا إيجاز القول مدرسة فريدة يستقي من علمها جيل الحاضر وجيل الغد يتوارثها الأبناء والأحفاد من هذه الأمة كأجمل ما يكون تراث... لأن سلطان الخير لم يكن يوماً من الأيام حصراً لنفسه وذويه، لا بل أراد أن يكون لمجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء، فكان له بعون الله ما أراد. ولا يصدق القول إذا لم يصدق الفعل، صدق مع الله وصدق مع نفسه وصدق مع أمته فحق له بإذن الله خلود الذكر ودوام الوصل وجميل القول والمقال. رحم الله سلطان الخير وأسكنه فسيح جناته وألهمنا وذويه الصبر والسلوان، "إنا لله وإنا إليه راجعون". *الوزير المفوض بالوفد الدائم للمملكة لدى المقر الأوروبي بجنيف