حق للدموع أن تذرف، وللقلوب أن تحزن، فقد فجع الوطن بسلطان، فكانت الفجيعة عظيمة، والخطب أكبر من أن يحتمله وطن واحد ليعم الحزن الأمة بأسرها وليصل بعيداً جداً إلى حيث وصلت أياديه البيضاء رحمه الله، ولكن إيماننا بقضاء الله وقدره لا نملك معه إلا أن نقول "إنا لله وإنا إليه راجعون". رحل سلطان القلوب وترك فراغاً كبيراً في قلوبنا ، كما ترك فراغاً في كثير من قيم النبل والكرم والإنسانية، ستفتقده أعمال الخير وقيم طالما ارتبطت باسمه. سنفتقده كثيراً لأنه اقترب منا كثيراً ودنا من الناس وتلمس حاجاتهم واهتم بشؤونهم وكان كلما اقترب منهم أكثر كلما ارتفعت مكانته وعلت منزلته في قلوبهم، ومن هنا كان فقده أليماً على الجميع دون استثناء. ومن الصعب أن نعبر عن ألمنا بكلمات كما أنه من الصعب أن نحتوي مكانة سلطان ومناقبه وإنجازاته بعبارات، فقد ظهرت في شخصه جوانب عدة لا ندري أيها أغلب وأبرز. فكان رحمه الله الإداري المحنك والعسكري الخبير والسياسي الفذ وساهم طيلة عقود في مسيرة الوطن وكان خلالها عنصراً فاعلاً في جميع قضاياه ومشاركا في صنع القرار، ولم يغب رحمه الله عن القضايا المهمة والتحولات الكبيرة طوال السنوات التي قضاها في خدمة الوطن. ولقد حمل رحمه الله المسؤولية وهو فتىً يافعاً وخدم والده العظيم ووقف بجانب إخوانه الملوك الميامين فكسب بحنكته ودرايته ثقتهم وحمل عنهم الكثير من الأعباء، وكان طيلة تلك العقود الطويلة متفانياً في خدمة دينه ثم ملوكه ووطنه من خلال شغله العديد من المناصب، وترؤسه ومشاركته في العديد من اللجان الإدارية التي صاغت التوجهات الإدارية لبلادنا العزيزة. وقد شيد رحمه الله مؤسستنا العسكرية من البداية حتى أصبحت قواتنا المسلحة اليوم إحدى أكثر منظومات الدفاع تطورا. وبفضل من الله ثم بجهوده المخلصة أصبحت بلادنا عزيزة الجانب مهابة الحدود يحرسها أحد أقوى الجيوش وأكثرها تطورا في المنطقة . كما أسس رحمه الله مؤسسة الطيران المدني حتى أصبحت على ماهي عليه اليوم تضاهي أفضل شركات الطيران في العالم. ورعى رحمه الله العلم والثقافة إيمانا منه بأهمية العلم والعلماء، وكانت الموسوعة العربية العالمية التي مولها سموه يرحمه الله أول وأضخم عمل من نوعه في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، كما أسس الكراسي العلمية والبحثية ومول المسابقات والجوائز ولا تكاد تخلو جامعة أو مؤسسة تعليمية من دعمه ومساهماته. كما دعم رحمه الله الباحثين والمفكرين ودعم كل ما يتعلق بالعلم والثقافة من مؤتمرات وندوات . ودعم رحمه الله العلم الشرعي وحرص على تعليم كتاب الله وسنة نبيه والدعوة إلى الله فدعم وأسس برامج الدراسات الشرعية في جامعات دولية وبنى المدارس الشرعية في العديد من دول العالم وكانت جائزة الأمير سلطان الدولية لحفظ القرآن الكريم للعسكريين من شواهد هذا الاهتمام. ولقد حظينا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بنصيب كبير من اهتمامه ورعايته وتشرفت الجامعة ومنسوبوها باستقباله في أكثر من مناسبة وكانت زياراته للجامعة زيارات خير ونماء. ومن أهم شواهد دعمه واهتمامه رحمه الله بالجامعة إهداؤه إياها مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية (سايتك) والذي أسهم بفاعلية في نشر مبادئ العلوم وإبداعات التقنية بأساليب حديثة وممتعة للنشء من أجل توسيع آفاقهم العلمية وتشجيعهم على الاهتمام بمجالات العلوم والتقنية، كما أنشأ رحمه الله كرسي هندسة البيئة أحد أول الكراسي البحثية في الجامعة، وأمر بإنشاء مركز الملك فهد للمؤتمرات بتبرع سخي من سموه ليكون مقراً للمؤتمرات والندوات يتناسب مع مكانة الجامعة، ووضع سموه الكريم حجر الأساس لوقف الجامعة ووافق رحمه الله على الرئاسة الفخرية لوقف الجامعة كما تبرع له بمبلغ 20 مليون ريال. كما رعى رحمه الله عددا من المؤتمرات والمناسبات المهمة في الجامعة. وبالرغم من أن سلطان بن عبد العزيز كان رجل دولة فذا وصانع إنجازات، إلا أن ذلك لم يغلب الجانب الإنساني لديه حتى إننا لنحتار أي جانب غلب عليه. وما يميز أعماله أن حنكته الإدارية ظهرت في أعماله الخيرية فحولها إلى عمل مؤسسي تشرف عليها جهات متخصصة فكانت مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية، مشاريع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية للإسكان الخيرية ولجنة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخاصة للإغاثة وغيرها الكثير من البرامج والأعمال الخيرية، والبحوث العلمية والمشاريع الأخرى التي تتلمس حاجات الناس ، وكانت يد سموه تسبق الجميع في جهود الإغاثة والمعونات الإنسانية في جميع بقاع الأرض. واكتسبت شخصية الأمير سلطان بن عبد العزيز بعداً عالمياً ونال احترام العالم، وتقلد سموه العديد من الأوسمة الرفيعة من قادة هذه الدول تقديراً وعرفاناً لإسهاماته الخيرة في مجال العلوم والخدمات الإنسانية والتقنية والتعليم والصحة والبيئة وعرفاناً لما قام به - رحمه الله - من جهود مباركه حيال نشر ثقافة العمل الإنساني ومكافحة الفقر والقضاء عليه من خلال تلك الاعمال الإنسانية العظيمة. وكان سلطان بن عبد العزيز شديد الاعتزاز والانتماء لأمته العربية والإسلامية وكان طيلة عمره مناضلاً لصالح قضايا الأمة المصيرية وثوابتها الراسخة كما كان مناصراً للقضايا العالمية العادلة محبا للخير والنماء والسلام. فجع الوطن بسلطان، ولكنه لم يغب فأعماله الخالدة تخلد ذكراه في وجدان وطن لا يخلو شبر منه من يد بيضاء لسلطان الخير. وسيبقى سموه معنا بإنسانيته وقيمه وإنجازاته، وستبقى تلك الابتسامة الحانية والوجه المشرق في ذاكرة الجميع. ومن المؤكد أن هذه المحبة التي ألقاها المولى سبحانه في قلوبنا لسلطان علامة خير و بشرى طيبة فالناس شهود الله في أرضه. رحم الله سلطان بن عبد العزيز رحمة واسعة وحفظ الله لنا قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز وإخوانهم وعظم الله أجرنا جميعاً في فقيد الأمة وربط على قلوبنا وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون. *مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن