اعتدت في كل عام حال سماعي خبر رؤية هلال شوال تهنئة والدي -رحمه الله- ووالدتي، وتقبيلهما، وفي المقابل سماع عبارات التهنئة منهما، والدعوات لي ولجميع المسلمين بالقبول.. ولكن في هذا العام لم يكن الحال كذلك.. فعندما علمت برؤية الهلال، وأن العيد غداً بكيت بكاءً لم أبكه من قبل، كان بكاءً مراً.. كنت أبكي وشريط الذكريات يرتسم أمامي.. تذكرت والدي -رحمه الله- عندما هاتفته في العام الماضي ليلة العيد -وكان آنذاك يتلقى العلاج في (هيوستن)- وهنأته ودعوت له، وكانت العبرات تخنق صوتي، ولم أشأ أن يظهر ذلك له، وكان العيد الأول الذي يغيب عنا بصورته فقط لكن صوته كان حاضراً معنا، وبادرني بالتهنئة، وقلت له: (بإذن الله السنة الجاية معنا، وأنت بصحة وعافية) فرد عليَّ متلهفاً: بإذن الله بإذن الله. ولكن أمر الله وقضاءه حال دون ذلك.. هكذا أنت يا دنيانا محط وارتحال.. نعم لقد رحل والدي لا للعلاج هذه المرة، وإنما رحل عن هذه الدنيا إلى رب رحيم كريم.. رحل ولم يكن معنا في هذا العيد لا بصوته ولا بصورته، ومع ذلك خياله في عيني، وذكره في فمي ومثواه في قلبي فأين يغيب؟! رحل.. فيا رحمان لا تحرمنا اللقاء به في الجنان.. خرجت لمعايدة والدتي، وفي الطريق كان بيت المتنبي يتمثل أمامي: *عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ* نعم.. قد كان عيدي مع أبي فرحاً وعيداً.. واليوم عيدي دونه ما كان عيداً، لقد اختلف هذا العيد عن سائر الأعياد التي مرت، فلم يكن للعيد طعمه الذي كان في كل عام، فبالإضافة إلى فقد والدي، اختلفت معالم العيد فلقد توافد على منزل والدي الكثير من المهنئين بالعيد لمعايدة والدتي التي تقضي فترة الحداد على والدي، ولم يكن ذلك ديدنهم في الأعياد الماضية الناس تضحك والترحاب ديدنهم.. وأنا بفقدك والدي أبكي وحيدة فسألت عيدي باكية متألمة... «أتُرى أكل من فيك سعيد؟!!». لقد اختلف كل شيء في هذا العيد.... لو كان قلبي في يدي لفتحتهُ حتى أراك بوسّطِه متربعا مازال طيفك والدي في ناظري لا يختفي أبداً كضوءٍ ألمع كل تألم من فراقك والدي حتى الصغير يحن إليك ويدمع فلقد رحلت إلى كريم غافر وعسى الجنان يكون فيها المرتع