هذه القصة التي هزت المجتمع السعودي وهي تراقب الأكاديمية المربية لأجيال من الفتيات في مؤسسات التعليم العالي تتعرض للتعدي والضرب من أخ يصغرها ويطردها من منزلها تفتح الباب على مصراعيه لقائمة من الأسئلة. لقد أمضت ليلة كاملة في سجن النساء، من المسؤول عن ذلك؟ ما هي العقوبة التي ستنال ضابط الشرطة المتهاون في أداء عمله، ما هي عقوبة الأخ المعتدي على أخته، أين حق الدكتورة الخاص والحق العام للمجتمع وقعت يوم الأربعاء الماضي (12/10/2011) حادثة رفعت حرارة التويتر تفاعلاً مع الأكاديمية السعودية (47 عاماً، باحثة اجتماعية وحاصلة على شهادة الدكتوراه) التي اعتقلتها شرطة مكةالمكرمة، فرع العزيزية، بعد أن لجأت إليهم للتبليغ عن عنف أسري تتعرض له من قبل أخيها الذي يصغرها بعشرين سنة، الذي قام بضربها وطردها خارج منزل والدها بعد منتصف ليلة الأربعاء، وعند طلبها الحماية من ضابط الشرطة رفض تسجيل دعواها وأوقفها بتهمة «العقوق» بناء على اتهام أخيها وأمها لها بذلك، كما سحب جوالها منها. وقد فتحت هذه القضية الباب لنقاش طويل جزء منه كان تبادل اتهامات ودفاع متبادل عن المرأة من جانب وعن ضابط الشرطة والأخ وأمه من جانب آخر، وقد أفرج عنها يوم الخميس 13/10 بعد أن تدخلت هيئة التحقيق والادعاء العام في مكةالمكرمة وهيئة حقوق الإنسان. وقد أصدرت هيئة الادعاء أمراً فورياً بإطلاق سراحها، وعدم قبول القضية المرفوعة ضدها لأنها اشتكت من «التعنيف» (الحياة، جمانة خوجة، 14/10/2011) وقد أحيل ضابط الشرطة للتحقيق لاتخاذه هذا التصرف غير المسؤول. إن هذه القضية من غير تفاصيل كثيرة تعيد إلى الساحة عدداً من الإشكاليات الخاصة بمكانة المرأة في المجتمع السعودي من جهة وبالقوانين التي تحمي المواطنين من جهة أخرى وآلية التعامل مع التجاوزات. فأبسط توصيف لهذه الحادثة هي معاقبة الضحية، وهي حالة ليست فريدة كما نعرف في قضائنا وأمثلتها كثيرة ولعل أشهرها قضية فتاة القطيف، وإن كان المختلف هنا أنه تم تدارك القضية قبل أن تتفاقم الملابسات والأخطاء. لكننا ما زلنا نتساءل حول قضية أساسية وهي فعالية قوانين الحماية من العنف الأسري. من المعروف أن ظاهرة العنف الأسري أخذت في التعبير عن نفسها في السنوات السبع الأخيرة تقريباً عندما بدأ المجتمع يتخلى عن تشنجه من سماع ما يسيئه أو يلقي عليه اتهامات العنف والإساءة للمرأة داخل البيوت كما نذكر من قضية الإعلامية رانيا الباز التي خرجت إلى الإعلام بالكسور التي على وجهها من جراء اعتداء زوجها عليها عام في أبريل 2004 ثم تتالت مواقف الدولة من تبني قضية حماية المعنفات وطرح قضيتهن بصراحة للرأي العام، وافتتحت دور الحماية الأسرية في الرياض والقصيم ومكةالمكرمة وغيرها في السنوات التالية على إثر إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية للإدارة العامة للحماية الاجتماعية في نفس الفترة بتاريخ 20/4/2004، وقد بنت تبعاً لذلك عدداً من دور الإيواء توزعت على عدد من مناطق المملكة واعتمدت مؤخراً الخط الساخن رقم : 1919 للإبلاغ عن حالات العنف للتعامل الفوري معها. ونشرت على موقعها على الإنترنت أسماء الجهات التي يتم تلقي البلاغات عن طريقها وهي: إمارات المناطق، المستشفيات الحكومية أو الأهلية، أقسام الشرط، المؤسسات التعليمية، الجمعيات الخيرية، هيئة حقوق الإنسان، الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وتكونت على إثر ذلك لجان حماية اجتماعية في كل مناطق المملكة وفروع وزارة الشؤون الاجتماعية. وتكون جهاز آخر على إثر تحول النشاط المدني لمجموعة «الأمان الأسري» إلى أمر سام من خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 13/11/2005، تتولى صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز -رحمها الله- رئاسته وغدا نشاطه الذي يقوم من خلال مستشفى الحرس الوطني بالعمل على المشاركة في إعداد الأنظمة والسياسات الوطنية لمكافحة العنف الأسري وإيذاء الأطفال في المملكة، باعتبارهما الأكثر عرضة للعنف والحلقة الأضعف في معادلة الأسرة. وقد ساهم الأمان الأسري مع وزارة الشؤون الاجتماعية على فرض نظام على كل من المستشفيات وأقسام الشرطة للتعامل الفوري مع قضايا العنف الأسري سواء كانت امرأة أو طفل بالتبليغ المباشر أو تحويل الحالة إلى مراكز الحماية الأسرية. كما فرض على الشرط أن يتعاملوا مع الشكاوى بشكل منفصل إذا وردت من قبل أسرة واحدة أو ما يعرف ب»عدم قبول أي دعوى مضادة إذا كانت المرأة تشتكي من العنف»، فإذا قدمت امرأة شكوى ضد أسرتها على سبيل المثال وهناك شكوى مقدمة من أبيها أو أخيها ضدها، فيجب التعامل معهما كقضيتين منفصلتين وأخذ قضايا العنف بشكل جدي. لكن كما نرى من القصص التي تصل الصحافة ومؤخراً الشبكات الاجتماعية أن هذه التنظيمات غير كافية ويتخللها القصور. فمن الواضح أن الضابط في شرطة العزيزية لم يصله خبر آلية التعامل مع قضايا التبليغ عن العنف الأسري، أو أنه ليس مدرباً على استلام أي بلاغ يصله من المواطنين سواء كانت أنثى أو ذكرا، فهو يتعامل مع البلاغات من منظور شخصي وربما قبلي يستنكر شكوى المرأة ضد أسرتها أو لا يرى بأساً في أخ يضرب أخته صغرت أو كبرت، ولو كانت دكتورة في الجامعة، ويعتقد أن منصبه يبرر له هذا التمييز، فضلاً عن أن الشكوى التي تقدمت بها قبل ذلك بأربعة أشهر لم يُنظر فيها. ويشكر للجهات الرسمية من هيئة الادعاء العام والتحقيق وهيئة حقوق الإنسان تعاملهم السريع مع القضية ولكن ماذا لو لم تكن المجني عليها أكاديمية وعلى اتصال ببعض الحقوقيات والناشطين الحقوقيين الذين أوصلوا صوتها سريعاً إلى المسؤولين؟ كم من الضحايا تم إعادتهن وتسليمهن إلى المعتدين بحجة المحافظة على الروابط الأسرية، كم من المعنفات أعدن إلى آبائهن أو أزواجهن أو أخوتهن بهذه الحجة، أو بتعبير «أصح» وفق السائد «سُلمن» إلى جلاديهن؟ ولماذا لا تصل أصوات وزارة الشؤون الاجتماعية بخطوطها الساخنة إلى المحتاجات؟ هل هناك ضعف في إيصال الرسالة أو عدم ثقة في الاستجابة أم أنها أرقام غير مفعّلة؟ هناك بعض الشكاوى من ضعف تدريب القائمات أيضاً على دور الإيواء التي بحاجة إلى مراجعة وأنهن يتعاملن مع المعنفات اللاجئات وكأنهن خارجات على القانون. إن هذه القصة التي هزت المجتمع السعودي وهي تراقب الأكاديمية المربية لأجيال من الفتيات في مؤسسات التعليم العالي تتعرض للتعدي والضرب من أخ يصغرها ويطردها من منزلها تفتح الباب على مصراعيه لقائمة من الأسئلة. لقد أمضت ليلة كاملة في سجن النساء، من المسؤول عن ذلك؟ ما هي العقوبة التي ستنال ضابط الشرطة المتهاون في أداء عمله، ما هي عقوبة الأخ المعتدي على أخته، أين حق الدكتورة الخاص والحق العام للمجتمع من هذين الشخصين؟ إن غموض القوانين المتعاملة مع العنف الأسري تعطي الأضواء الخضراء المتتالية لاستمرار التعدي على المرأة بكل الأشكال، آخذين في عين الاعتبار أن غالبية القضايا لا تصل القضاء أو مراكز الشرط نتيجة لهذا النوع من ردود الفعل التي تتوقعها الكثيرات من ضحايا البيوت المغلقة. ما هي قضية تهمة «العقوق» التي تستخدم ضد النساء اللاتي يحاولن الحصول على حقوقهن الإنسانية؟ إن غموض القوانين من جانب وضعفها من جانب آخر لا ينتهي. ويحضرنا هنا الحكم الذي ناله زوج قتل زوجته بدهسها بالسيارة عمداً لأنها رفضت تسليمه راتبها الشهري، فحكم عليه باثنتي عشرة سنة سجناً. هل يعني هذا أن النفس ليست بالنفس؟ أم أن نفس المرأة لا يكلف الرجل نفسَه وإنما نصف نفسه؟ الطريق أمامنا طويل لإحقاق العدالة للمرأة وتأمين سلامتها وإنسانيتها، وحبذا لو كف المتشدقون بالحديث عن تكريمنا للمرأة لحين اتخاذ خطوات عملية إزاء العنف الذي تتعرض له المرأة في وطننا.