الستة أيام التي هزم بها العرب أمام إسرائيل في حرب 67 ظلت جرحا في الذاكرة العربية كونها رمزا للتبجح وطغيان القوى العسكرية الإسرائيلية مقابل الذل والهوان العربي، ستة أيام فقد العرب فيها ليس فقط كرامتهم وحلمهم بل مساحات واسعة من أراضيهم والتي منها مرتفعات الجولان السورية، ويبدو أن الرقم (6) السحري له قداسته في الوجدان العربي، فالآن الرئيس السوري يهدد بأنه إذا تعرضت سوريا للتهديد (وهو هنا لا يعني سوريا أرضا وشعبا بقدر ما يعني كرسي رئاسته) فلسوف يشعل المنطقة في ظرف ست ساعات! فقد تناقلت العديد من مواقع الانترنت (ويكليكس عربية) تبرز تفاصيل ما دار في زيارة الوساطة التي قام بها وزير الخارجية التركية (أوغلو) إلى سوريا قبل شهور قليلة - وقبل أن يلغ الجيش في دم شعبه بهذه الصورة المتوحشة - تهديد النظام السوري على لسان قائده لوزير الخارجية التركي بأنه سوف يشعل المنطقة في ظرف ست ساعات، فهو من ناحية سينقل صواريخ سكود إلى هضاب ملاصقة للجولان ليطلقها على إسرائيل، بينما سيأمر حزب الله أن يقتحمها من جنوب لبنان، ومن ثم ستشعل إيران الخليج العربي، ومن ثم سيأمر بتحريك البعد المذهبي في بعض دول الخليج لإثارة الفتن والاضطرابات. وفي تسريبات ويكليكس أخرى يقال ان رئيس المخابرات السورية توجه إلى الأردن ووجه تهديدات إلى أمنها القومي ان هي سمحت أن يكون منطلق العمليات الدولية لضرب سوريا الأراضي الأردنية، ويقال بأن التهديدات كانت بنفس صواريخ سكود (وأبسط خبير عسكري يعرف بأنها صواريخ مهلهلة من بقايا خردة الحرب الباردة تتخلص روسيا من ركامها في مستودعاتها بتوزيعها على حلفائها) مما جعل القيادة الأردنية تتخذ موقفا صارما في الرد وتم طرد رئيس المخابرات السوري من على الأراضي الأردنية. بالطبع هذا النوع من التهديدات لا تصدر عن دولة مستقلة ذات سيادة، بل هي زمجرات وقرقعة تصدر عن حرب عصابات ومافيا، وإذا صحت مصادر هذه الأخبار فإنها مع الأسف واللوعة تصدر من دمشق أقدم مدينة في التاريخ والتي تحوي طبقات متتالية من الحضارات التي تغور عميقا في عمر الزمن. أثناء حرب لبنان 2006 تحول مدير ميليشيا حزب الله إلى بطل قومي عربي، يحلف جميع القومجية باسمه وتحولت عباءته إلى رداء مقدس لا يدخله الباطل من بين يديه ولامن خلفه، وكان إذا تعرض له أحد الكتاب بالنقد، فهناك قائمة جاهزة من التخوين والتكذيب وتهم العمالة والولاء للقوى الأجنبية وما هنالك من التهم التي في زنبيل (هتيفة) القومجية بانتظار من يمس عباءة السيد. ولكن اليوم وبعد أن عادت ميليشيا حزب الله إلى حجمها الطبيعي، واتضحت الصورة الضبابية بعد أن توضأت بدم شهداء سوريا، بات من حق المواطن العربي أن يسأل أين العروبة؟ وأين المقاومة؟ وأين سواليف ميشيل عفلق (أمة عربية خالدة ذات رسالة واحدة)؟ جميعها ستحرق بظرف ست ساعات؟ جميعها تفتت وأخنى عليها الذي أخنى على لبد؟ أو كما كما قال الشاعر الأندلسي الرندي: أين (حمص) وماتحويه من نزه.. ونهرها العذب فياض وملآن أتى على الكل أمر لا مرد له.. حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا ياغافلا وفي الدهر موعظة.. إن كنت في ِسنَةٍ فالدهر يقظان الربيع العربي سيأخذ في طريقه الكثير من الخرافات والأساطير ومن أهمها تلك المليشيات التي كانت تتدرع خلف مقولات النضال والمقاومة، وسيظهر كل شيء بوضوح للعالم دون مزايدات وشعارات أنهكت الخطاب السياسي العربي لما يربو على النصف قرن.