مساحة الحرية التي حصلت عليها المرأة ستكون مرتبطة بالمرجعية الدينية والثقافية التي نشأ عليها مجتمعنا، وانا متأكد ان المرأة السعودية من خلال تربيتها ووعيها واحساسها العميق نحو الوطن ستكون رافداً مهماً لمجلس الشورى والمجالس البلدية احاديث الحرية لا تنتهي، فهناك من يفكر في الحرية التي داخل إطار وهو ما يعني ان لهذه الحرية حد نهائي، لانه يفهم من الإطار ان كل ما هو خارجه ليس له علاقة بداخله. فإذا أطرنا الحرية فهذا يعني اننا وضعنا لها حدودا وهذا في حد ذاته مناف لفكرة الحرية لانها تعني في جوهرها تعبيرا عن الذات دون قيود مفروضة على هذا التعبير. هذا لا يعني أبداً ان الحرية يجب ان تكون متفلتة وغير مسئولة مما يجعلنا نتحدث عن الحرية التي تنطلق من مركز او انها ذات مرجعية تصنع حدودها بمسئولية فهي لا تستطيع تجاوز مرجعياتها. كما انه من المعروف ان الحرية لها ارتباطاتها الأخلاقية وما اقصده هنا ما قام به عمدة نيويورك (بلومبرغ) فهو رجل ثري ولديه الإمكانات المادية قبل أن ينتخب في منصبه الحالي ولديه الإمكانات كي يعيش حياة مرفهة ومتميزة وهذا حق من حقوقه وضمن حريته الشخصية لكنه آثر ان لا يميز نفسه على المستوى الوظيفي على سكان نيويورك وبالأخص البسطاء والفقراء منهم. لم يمارس حريته دون مسئولية بل وضع مرجعيات أخلاقية خاصة به. ما نود أن نقوله هنا أن الحرية تكبر وتتوسع من خلال الشعور بالمسئولية وتصبح ناضجة إذا كانت ذات مرجعيات أخلاقية. نحن بحاجة لهذه الحرية المسئولة والأخلاقية. فعمدة نيويورك لم يتوان ابداً في المشاركة في برنامج تلفزيوني شهيرينتقده يومياً لأنه اراد إيصال رسالة لسكان نيويورك وهو يعلم ان انتقاد البرنامج له كعمدة للمدينة وليس كإنسان. ولو قارنا (بلومبرغ) بأمين إحدىالمناطق الذي انفجر في وجه احد مراجعيه أومسؤول وزارة الصحة الذي طلب من نفس المواطن توفير قطعة ارض لبناء مركز صحي عليها لشعرنا بالفرق. يبدو أننا نحتاج أن نفهم معنى المسئولية، وربما هذا يتطلب أن نمارس ما نسميه الحرية المسئولة، ولا حرية دون مسئولية ولا مسئولية دون ثواب وعقاب. بهذا المعنى يمكن وضع حد لممارسة كثير من المسئولين التعسفية تجاه المواطن الذي يعاني من تراخي وكسل هؤلاء. كما يجب أن نعي أن هذا المواطن له الحق الكامل في التعبير عن رأيه بما في ذلك تقييم اداء هؤلاء المسئولين والمطالبة بحقوقه كاملة لأن ثقافة الأبواب المغلقة قد ولت دون رجعة. فلو أن (بلومبرغ) تعامل مع أحد سكان نيويورك بنفس أسلوب أمين تلك المنطقة أو أن إدارته طلبت من احد المواطنين توفير قطعة أرض لإقامة أحد الخدمات المهمة لسكان المدينة لما ضمن البقاء في منصبة ولما فكر احد بإنتخابه. في اعتقادي ان ما أسميه الحرية النابعة من مركز هي التي تحفظ توازن المجتمعات وتحقق لها الاستقرار فإن كل فرد يمثل المجتمع وكل المجتمع يمثل الفرد. فمثلاً المرأة السعودية كفرد يجب ان نراها كممثل للمجتمع ككل لا على انها خارج حسابات هذا المجتمع فالحدث الأبرز هذه الايام هو مشاركة المرأة بمجلس الشورى والمجالس البلدية وكأنه امر غريب ان تكون المرأة في هذه المجالس، ودون شك كنا ننتظر منذ فترة طويلة مثل هذه الخطوة المهمة التي تعيد التوازن للمجتمع. أذكر هنا انني كنت قبل فترة في احد المطارات في السعودية وكانت هناك إعلانات لاحد البنوك في ممر الوصول للطائرة وهو إعلان مكون من عدة اجزاء تتحدث عن لحظات النجاح في الحياة لم يرد فيها اي مشهد لامراة حتى الاطفال من الذكور فسألتني زوجتي اين المرأة فقلت لها لا اعلم لأن هذه المشكلة مشكلة ذكورية المجتمع وهي احدى القضايا التي تؤرقنا كمعماريين ومخططين، فنحن نتساءل منذ فترة طويلة عن المدينة السعودية انها صنعت للذكور فقط، وكل مرة نجتمع من اجل التفكير في ايجاد حلول لمشاكل المدينة نصطدم بهذا الخلل الاجتماعي الفادح الذي تعيشة المدينة السعودية. ربما يعيد قرار مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية الحياة الطبيعية للمدينة. فتخيلوا معي كيف يمكن ان يتعامل مسؤولو المدن مع المرأة وهي دون سلطة وليس لها دور في عملية اتخاذ القرار وكيف يمكن ان يحدث وجودها في مراكز اتخاذ القرار بعض الفرق، تخيلوا ان من تلقى كلمات امين عسير هي امرأة ولا تجد من تلجأ له ويدافع عن حقوقها. انا على يقين ان مساحة الحرية التي حصلت عليها المرأة ستكون مرتبطة بالمرجعية الدينية والثقافية التي نشأ عليها مجتمعنا، وانا متأكد ان المرأة السعودية من خلال تربيتها ووعيها واحساسها العميق نحو الوطن ستكون رافداً مهماً لمجلس الشورى والمجالس البلدية، لأنه لا يعقل ان تظل المرأة مبعدة عن الخوض في القضايا التي تهمها وانا هنا لا اقصد قضايا المرأة فقط ولكن قضايا المجتمع والوطن ككل لانها شريك لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات. اتمنى ان لا تحبس المرأة في قضايا هامشية بعد ان تحصل على عضويتها الكاملة في هذه المجالس كما حصل مثلا في الهيئة السعودية للمهندسين عندما ترشحت مهندسة سعودية لعضوية اول مجلس منتخب لادارة الهيئة (رشحت مرتين) فعلى مدى ست سنوات تم ابعادها عن القرارات المهمة واشغالها في قضايا المهندسات السعوديات لكونها امرأة، وكأنه لا يحق لها الخوض في القضايا المهنية الأخرى. هناك احساس عميق لدى الرجال برفض مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرار وهناك اعتقاد سائد بين الرجال ان المرأة ناقصة عقل ودين وانها ليست قادرة على اتخاذ قرارات هامة ومصيرية، ولعلهم نسوا او تناسوا انه في كثير من دول العالم اصبحت المرأة على رأس الهرم وصاحبة القرار الاول. بالنسبة لي لا اتمنى ابدا ان تكون المساحة التي اعطيت للمرأة مؤطرة وذات حدود سميكة وعالية لأن هذا لا يخدم مصلحتنا ابداً، لكن اتمناها ان تكون مساحة ذات مرجعية تنبع من ثقافة المجتمع وتؤكد على هويته.