إن اليوم الوطني ليس يوماً واحداً، وإنما هو عقود مترادفة من الأعوام المليئة بالوحدة والتلاحم والمنعة، نستلهم فيه الوحدة بعد الشقاق، والقوة بعد الضعف، والنجاح بعد الإخفاق، والأمن بعد الخوف، والنعيم بعد الجحيم، في ظلال مملكة آمنت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً نبياً، مملكة تحمي حماها، وترتقي بأبنائها، في كل ميادين الحياة، من أجل الحياة الكريمة المفعمة بالعلم والمعرفة، المرتكزة على الثوابت الأصيلة، والمستفيدة من المعطيات الحديثة النافعة، إننا إزاء هذا اليوم الوطني المجيد لنعيش في إشراقة شمس بددت بسناها ظلام الجهل والفرقة والفاقة، منذ أن بزغ نور الدولة المباركة على يدي الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- مجددًا ملك آبائه وأجداده، ضاربًا بعظمة الملك في أغوار التاريخ، مستمدًا - رحمه الله - دستوره من كتاب الله الكريم، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مؤسسًا لدولة مدنية متينة ترتكز على مبادئ أساسية ثابتة، مستفيداً من مقدرات هذه البلاد في صون حماها، وتنمية مرافقها، ورفاهية مواطنيها. إن اليوم الوطني ليس ذكرى عابرة، وإنما هو رمز لما نرفل فيه من نعمة وعلم وحضارة واقتصاد، رمز لعقود من البناء والنماء، رمز للنداء الفصيح النصيح أمام كل تمتمة باطلة أو صوت نشاز، رمز لصوت الحق أمام الباطل الزهوق، وللكلمة العليا على السفلى، رمز لموروث تفانى فيه الآباء والأجداد، ونبذل فيه قصارى الجهود للحفاظ عليه ونقله للأبناء والأحفاد. ينبغي علينا ونحن نعيش في ظل قيادتنا الحكيمة الراشدة أن نستذكر الدروس والعبر مما يتضمنه اليوم الوطني المجيد، وعلينا أن نعي من التاريخ ما قبله، وأن نستلهم ما بعده حتى نعلم مقدار النعمة التي أسبغها الله تعالى على هذه البلاد الطيبة، كما يتحتم علينا -إزاء هذه الوحدة الخالدة- أن نكون صفًا واحدًا متكاتفين متآلفين من أجل ديننا ووطننا، تماشيًا مع ما اختطه الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وما سار عليه أبناؤه البررة من بعده؛ فإنه دَين ينبغي الوفاء به، وحق لوطن أظلنا بأمنه، وكنفنا بإيمانه، واحتوانا بعدالته أن نعيش له وأن نتفانى من أجله. لقد أثبت الوطن وقيادته وأبناؤه مدى التلاحم الذي يربط فئات المجتمع، ولقد أثبتت الأعوام أننا ننعم في وطن أقوى وأرسخ وأثبت من أن تهزه ريح عابرة، فهو يستمد قوته من الله تعالى، ويسير في ظل ولاة أمر أخلصوا له، وبذلوا من أجله، وضربوا في رقيه أروع الأمثلة، ومن حولهم رجال صدقوا ما عاهدوا عليه، في ملحمة عزّ أن يُرى لها مثيل في الوجود، وذلك لأن كلاً يستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقه، والأمانة المضطلع بحملها، والقيام بتبعاته؛ لأن من الثوابت التي لا مساومة فيها أننا مستأمنون على مقدرات هذا الوطن المعطاء، فجدير بنا الوفاء، فقد قامت على الجميع الحجة البالغة؛ لأن عدالة الحكم وانتشار العلم، وسيادة الأمن، وتفشي الوعي، ورفاهية المجتمع، نعم أسبغها الله علينا، فله الحمد والشكر على ما امتن به علينا. إن الحفاظ على هذا الكيان بمن فيه وما فيه واجب ديني وطني، ولا عذر لمقصر في حقوقه، أو متكاسل عن واجباته، وعلى هذا النشء المبارك أن يعلم أن الله تعالى بتوفيقه للمخلصين من أبناء هذا البلد الكبير قد رفع بلادهم وأصلح شأنهم، وأعلى شأوهم، وحمى حماهم، وأن على الشباب أن يسيروا على خطوات آبائهم الصادقين المخلصين، وأن يصونوا البناء، ويحافظوا على الوحدة، وأن لا تجد وساوس الحاسدين إلى قلوبهم سبيلاً؛ لأن كل ذي نعمة محسود، والوطن الآمن المطمئن عرضة للحاقدين، ولكن بالتلاحم والتكاتف تُصان البلاد، وتُحمى الديار؛ لأنها غاية تتفانى في صونها النفوس المخلصة، وتتبارى في برّها العقول النيرة، ولا يحيد عنها إلا حاقد أو حاسد أو معاند وجد الشيطان في قلبه مقيلا، وأورده وبيلا. لقد تأكد للعالم بأسره إخلاص قادة هذه البلاد الغالية لدينها ووطنها وقضايا الأمة ومصلحة الإنسانية جمعاء، وأيقن العالم كله أن لا مساومة لديهم في الدين والوطن، فهما صلاح الدنيا، وفوز الآخرة، وأن من حولهم شعبًا وفيًّا أبيًّا عادته الولاء، وسجيته والوفاء، ومزيّته رفع أكف الضراعة بالدعاء. *مدير جامعة الملك خالد