أجزم أن الاتحاد السعودي لكرة القدم كان في يوم سعده عند صدور تصنيف "الفيفا" الأخير للمنتخبات عن شهر سبتمبر الجاري، والذي حلّ فيه المنتخب في المركز 98، وهو الأسوأ له في تاريخه؛ إذ تزامن خروج التصنيف مع انشغال الوسط الرياضي بقصيتي "إصبع إيمانا"، و"كوع عبدالغني". تلكما القضيتان جعلتا الرياضيين يغمضون أعينهم عن أهم قضية يفترض أن تهز الوسط الرياضي السعودي، ولست مبالغاً إن قلت بأنه كان يفترض فيها أن تكون "أم القضايا" بلا منازع، لولا أننا اعتدنا من هذا الوسط - للأسف الشديد - تغافله عن أهم مشاكل الرياضة السعودية، وانشغاله بقضايا تافهة، وبعضها أقل من ذلك، إما لضعف في الثقافة الرياضية، أو لسوء في الأداء المهني. ليست المرة الأولى التي يدخل فيها تصنيف "الفيفا" المنتخب السعودي في نفق الأزمة، ومن ثم يخرج منها بسهولة وكأن شيئاً لم يكن. ليس لقدرة اتحاد الكرة على معالجة مسبباتها، وإنما لتزامن دخوله لهذا النفق مع قضايا محلية تختطف اهتمام الوسط الرياضي على حساب القضية الكبرى. هذا ما حدث تماماً في يوليو 2006 حينما حل المنتخب السعودي في أسوأ تصنيف له في تلك الحقبة بحلوله في المركز 81، وهو التصنيف الذي هز الكرة السعودية في ذلك الوقت وجعل اتحاد الكرة يصدر بيانات ويرسل موفدين ل"الفيفا"، وسط غضب في الشارع السعودي على اتحاد الكرة قبل أن تنعطف الأمور لصالحه؛ إذ انشغل وسطنا الرياضي آنذاك بقضية اتهام محمد نور لإدارة نادي الاتحاد بالتلاعب في عقده، وهي القضية التي تسيدت الساحة لنحو شهر كامل ما أنست الرياضيين قضيتهم الأهم. اليوم ها هو الأمر يتكرر من جديد بعد خمسة أعوام، وبشكل أسوأ، ليس على مستوى التصنيف بين منتخبات العالم، بل حتى على مستوى منتخبات القارة الصفراء، فالمنتخب السعودي الذي ظل حتى سنوات قريبة أحد منتخبات النخبة فيها لم يعد اليوم كذلك، وهو ما يكشفه التصنيف؛ إذ يحتل المنتخب المركز التاسع آسيوياً، وهي حقيقة تجعله في وضع مخجل أمام منتخبات مازال البعض منّا حتى اللحظة لا يريد الاعتراف لها بالتفوق كأمر بات واقعاً كمنتخبات الأردن، وسوريا، وأوزبكستان، بل حتى منتخب قطر، والنتائج خير دليل. الكرة السعودية كانت ومازالت تعيش أزمة فعلية وعلى غير صعيد، بيد أن اتحاد الكرة يريد في كل مرة إشغالنا بقضايا تافهة، حتى يكون في مأمن من المساءلة على الفشل الذي بات من الصعوبة تبريره أو حتى ترقيعه، وذلك بالتعمية على الحقيقة بوعود براقة لا يبدو لها قواعد فعلية على الأرض. المؤلم أكثر ليس في محاولات مسؤولي اتحاد الكرة، وإنما في تماهي بعض الإعلاميين معها، وهم من نوعية الإعلاميين الذين يسترزقون بقضايانا الرياضية الكبرى ويتاجرون بها، والذين هم أصلاً أحد أسباب تخلفنا الرياضي، ولولا تصنيف "الفيفا" لما تكشفت لنا حقيقة تخلفنا.. فشكراً ل"الفيفا"، ولا عزاء لاتحاد الكرة.