يأتي حلول المنتخب السعودي الأول لكرة القدم في المركز 82 في تصنيف (الفيفا) عن شهر فبراير ليطرح سؤال صغير في كلماته كبير في مضمونه.. ذلك السؤال الذي يقول: وماذا بعد؟!. فالمنتخب السعودي يعيش اليوم أسوأ مراحله على الإطلاق، والأمور مرشحة إلى ما هو أسوأ ما لم يسارع المسؤولون عنه إلى حلول عاجلة وناجعة في ذات الوقت، فإن يهوي (الأخضر) إلى هذا المركز المتأخر جداً في قائمة التصنيف فليس لذلك معنى سوى أن الكرة السعودية دخلت غرفة العناية المركزة؛ خصوصاً وأن هذا المركز يعد الأسوأ في تاريخ المنتخب السعودي الذي سبق له أن احتل المركز 21 عالمياً في يوليو العام 2004، وذلك في أعقاب المستويات والنتائج التي خلفها في كأس العالم التي استضافتها الولاياتالمتحدة في ذلك العام، واستطاع فيها (الأخضر) العبور لدور ال16 في أول مشاركة له في "المونديال". القول بخطورة الأمر على الكرة السعودية لا يحتاج إلى إثباتات، فهذه الكرة التي تربعت طوال عقد الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي على قمة الكرة الآسيوية، واصطفت في عقد التسعينيات إلى جانب كبار المنتخبات العالمية، ها هي اليوم تتراجع غير قادرة على حجز موقع لها حتى في المشهد الآسيوي الذي بات يضيق بها، ولعل ما حدث للمنتخب في كأس آسيا الأخيرة التي ودعتها العاصمة الدوحة تختزل كثيراً من المشهد المأساوي. فالمنتخب (الأخضر) الذي فرض نفسه سيداً للقارة (الصفراء) خلال عقدين بتحقيقه للقبها ثلاث مرات، وفرض نفسه حامي حماها في المعترك العالمي الذي بلغه أربع مرات متتالية، أصبح اليوم ضيف شرف على المشهد القاري، حتى لم يعد قادراً على تجاوز محطة الدور الأول في كأس آسيا كما فعل في الدوحة، وقبلها رفع الراية البيضاء في تصفيات كأس العالم 2010 حينما ودعها بخفي حنين، لتأتي التظاهرة الكروية الكبرى في جنوب أفريقيا من دون أن يكون للمنتخب السعودي مكاناً فيها. وإذا كانت الحضور المخجل للمنتخب السعودي في كأس آسيا الأخيرة، وقبلها في تصفيات كأس العالم ينبئ عن تراجع واضح على الصعيد التنافسي في القارة، فإن هبوطه للمركز 82 في تصنيف (الفيفا) يؤشر إلى انعدام التخطيط كلياً في "مؤسسة" المنتخب، إذ إن التصنيف الدولي لا يرتبط كلياً بالنتائج في البطولات الرسمية، أو تحقيق الألقاب فيها، وإن كان جزءاً كبيراً من نقاطه يرتبط بها؛ لكن الحضور العام للمنتخب في المشهد الدولي هو الذي يحدد ذلك، إذ تحتسب نقاط التصنيف وفق معايير دقيقة، تتعلق بجملة معامل، إذا ما روعيت جيداً فبإمكان أي منتخب أن يتقدم في سلم الترتيب العام بشكل ملحوظ حتى وإن لم يكن له حضوره على مستوى البطولات، والأمثلة على ذلك كثيرة. فالمعامل الأول هو النقاط التي تحتسب جراء الفوز أو التعادل أو الخسارة في المباريات، أكانت رسمية أو ودية، والمعامل الثاني هو وضع المباراة، أكانت ودية، أو في تصفيات قارية، أو في بطولة قارية، أو في كأس القارات، أو في كأس العالم، إذ تزداد النقاط بزدياد قيمة وضع المباراة، والمعامل الثالث يتعلق بقوة الفريق المنافس، وذلك بحسب تصنيف المنتخبين المتباريين في قائمة (الفيفا) أثناء لعب المباراة، أما المعامل الرابع فيرتبط بوزنية المباراة، وهذا المعامل ورغم ما فيه من إجحاف إذ يمايز بين الاتحادات القارية حيث يصنف الاتحاد الأوربي في المركز الأول، واتحاد أمريكا الجنوبية في المركز الثاني، في حين يصنف اتحادات آسيا وأفريقيا والكونكاف وأقيانوسيا في متساوية في المركز الثالث إلا أنه في نفس الوقت يدفع منتخبات المركز الثالث إلى حتمية الاحتكاك بمنتخبات المركزين الثاني والأول بغية التطوير. وإضافة إلى ذلك فإن على القائمين على أي منتخب ضرورة مراعاة جملة أمور مهمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة حساب التصنيف، وهي التي تتعلق بفترة حساب التصنيف، ما يعني أن تحقيق بطولة أو إنجاز قاري أو عالمي يكون حساب نقاطه في السنة الأولى بنسبة 100% وتتناقص النسبة خلال أربع سنوات حتى تتلاشى بعد ذلك، إضافة إلى ضرورة أن يلعب المنتخب خمس مباريات على أقل تقدير في الموسم الواحد. والقول إن تصنيف المنتخب السعودي الحالي يكشف انعدام التخطيط في مؤسسة المنتخب يؤكده الطريقة التي كان يدار بها المنتخب، إذ كثيراً ما فوّت القائمون عليه استثمار (أيام الفيفا) في لعب مباريات، يمكنها أن تفيد المنتخب إن فنياً وكذلك على مستوى تصنيفه الدولي، وحتى إن لعب فيها فغالباً ما يلعب مباريات ذات مستوى متدنٍ، كأن يلعب مباريات مع منتخبات آسيوية أو أفريقية تتخلف عنه في تصنيف "الفيفا"، كما حدث في المباريات الثلاث التي خاضها قبل دخوله كأس آسيا حينما لعب في يناير مع منتخبات تتخلف عنه في التصنيف، كأنغولا التي تقبع في المركز 88 والبحرين في المركز 93، والعراق في المركز 98، وكان طبيعياً بعد نتائجه السلبية في هذه المباريات وفي مباريات البطولة أن يتراجع أربع مراكز في تصنيف فبراير. وبعيداً عن مركز المنتخب السعودي الجديد في تصنيف (الفيفا) فإن الواقع الجديد بدلائله ودلالاته يستدعي استنفار عام من مسؤولي اتحاد الكرة للقيام بنهضة كبرى تعيد ل (الأخضر) عافيته وتستعيد سمعته، ولن يكون ذلك إلا بدراسة شاملة لواقع الحال، وتحديد إطار عام وسقف زمني بعيد وقصير المدى لعملية التصحيح، مع حتمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، إن على مستوى الأجهزة الإدارية أو الفنية، وفي حال ذلك فإن المنتخب السعودي قادر على استعادة توهجه المفقود، وفيما عادة فمن غير المستبعد أن يكون القادم أسوأ؛ خصوصاً وأن رواية الانهيار لاتزال مفتوحة ولم تغلق بعد.