شقاوة أطفالنا هي أجمل اللحظات التي نعيشها ونستشعر من خلالها عذوبة الحياة وروعتها حتى وإن وضعتنا أمام مواقف وتجارب هي أقرب للجنون من العقل؛ تماما كما فعلت بي صغيرتي في إحدى المجمعات التجارية، حيث غافلتني لثوان واختفت عن أنظاري.. إلى أين ذهبت وفي أي اتجاه؟.. لا أحد يعلم!.. أصبحت حينها كالهائمة على وجهي أبحث هنا وهناك، وقلبي يدق بعنف ويرتعد كلما تصارعت في ذهني مخاوف الخطف أو حتى الضياع، ومع مرور كل دقيقة كانت قدماي تمشيان بتثاقل وصوتي يختنق بالكلام، وعيناي لا تكادان تريان إلاّ صورتها، وهي تطلب مني أن أشتري لها "الفستان الأبيض".. لا أبالغ إن قلت إني شعرت ولو للحظات بأني فقدت العقل والصبر، بل وحتى الحياة التي لا أتخيل أن أعيشها بعيداً عن طفلتي الوحيدة!. دقائق طويلة ثقيلة متباطئة، مررت بها حتى تمكنت من إيجادها وبقدر الخوف الذي عايشته بقدر الفرحه التي غمرتني حين وجدتها مع إحدى السيدات التي أخبرتني بأنها وجدتها تبكي، ليس لأنها لم تجدني بجانبها بل لأنها لم تجد "الفستان الأبيض"!. مشاهد ومواقف ضياع الأطفال في الأسواق ومدن الألعاب تكاد تتكرر يومياً، وتتكرر معها هواجس ومخاوف الأهالي من تعرض صغارهم لمآسي الضياع، وربما الخطف -وإن كانت حالات محدودة جداً-؛ حتى أصبح هناك من يمتنع عن اصطحاب أطفاله ل"المولات"، ومواقع الازدحام؛ وربما المتنزهات؛ ليحرمهم من أكثر اللحظات سعادة وفرحا في حين أصبح من المفترض أن تكون هناك حلول تقنية متعددة لهذه المعاناة، حلول يلتزم بها صاحب المنشأة التجارية والترفيهية ويلجأ لها كل الأهالي بلا استثناء.أليس من الغريب بأننا لا نملك وسيلة للبحث عن أطفالنا المفقودين في الأماكن المزدحمة إلاّ بواسطة "الميكرفون" وتكرار عبارة "يوجد طفل ضائع"، أو عن طريق سؤال المتواجدين "مين شاف ولد صغير"، نحن اليوم نعايش تطورا هائلا للتقنية، ونسعى جاهدين لامتلاك أحدث الأجهزة وأكثرها ابتكاراً، لكن لماذا تأخرنا في تفعيل "إسوارة الأم الالكترونية"؟. "الرياض" في هذا التحقيق تناقش أهمية تطبيق وتفعيل تقنية الإسوارة الإلكترونية في الأماكن العامة، وصورتها أن يتم لف يد الأم ويد الطفل بإسوارة في معصم كل واحد منهما ب"كود مشترك"، وذلك عند دخولهما إلى "المول"، أو "المتنزه"، أو "مدينة الترفيه"، وتصدر هذه الأسوارة إشارة "رنين" عند خروج أحدهما بمفرده، ولا يمكن خلعها إلاّ بطريقة فنية متخصصة من قبل رجال الأمن المتواجدين عند منافذ الدخول، ولا تسمح لغيرهم بذلك. وضع إسوارة للأم وأخرى للطفل ب «كود مشترك» عند دخولهما إلى «المول» أو «المتنزه» وتصدر «رنيناً» عند خروج أحدهما بمفرده صدمة نفسية! بداية قالت "أم جاسر": غالباً أفضّل اصطحاب أطفالي عند التسوق، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بشراء احتياجاتهم، فهذا باعتقادي يساعد على تكوين شخصية مستقلة لهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم، لكن ما يثير انزعاجي وتوتري هو انجذاب الطفل بطبيعته العفوية نحو الأشياء التي تعجبه دون أن يشعر بخطورة تلك المواقف التي قد تعرضه لأي نوع من الصدمات النفسية، مؤكدة على أنّ حرص الأم وحدها قد يكون غير كافٍ؛ لهذا لابد من اللجوء لعدد من وسائل حماية الطفل في الأسواق ومدن الألعاب، فهذه الأماكن أصبح من السهل فيها ضياع الأطفال لشدة الزحام بها، لافتة إلى أنها بحثت عن الأسوارة الإلكترونية في عدد من المحال المتخصصة ولم تجدها في أسواقنا، وقد اكتفت بكتابة أرقام جوال زوجها بميدالية ووضعها على ملابس أبنائها عندما يذهبون للتسوق أو الملاهي!. إسوارات متنوعة للحد من حالات الفقدان للصغار موقف لا يُنسى واتفقت معها "نجود سالم" قائلة: من الأفضل أن نلجأ لتلك التقنيات المساندة لدور الأم، خصوصاً في الأماكن التي تشهد ازدحاماً كبيراً، ففي كل مرة أذهب بها لمدن الألعاب ينقلب الأمر من المتعة إلى النقمة، خاصه إذا اصطحبت جميع أطفالي، فما زالت ذاكرتي تحتفظ بذلك الموقف الذي هز كياني في أحد المتنزهات، حيث فقدت طفلتي ذات العامين عند انشغالي بدفع تذاكر الدخول حينها صعقت وخفت كثيراً؛ فأنا لا أعلم هل اختفت داخل المتنزه أم أنها لم تدخله في البداية، ورفعت صوتي أنا وإخوتها نردد اسمها علها تسمعنا، ثم أصبحت أركض كالمجنونة وأفتش عنها في كل مكان، ولكن دون فائدة، وحينما شعرت بأني فقدت الوعي وأن الدنيا دارت بي؛ طلبت مساعدة رجال الأمن واكتفيت بالبكاء والنحيب، وبعد أكثر من نصف ساعة وجدوها داخل المتنزه برفقة إحدى الخادمات التي كانت تشابه في شكلها خادمتنا، حيث ذكرت الخادمة بأنها ومنذ دخولها وهذه الطفلة تمسك بها، وحين عادت لي صغيرتي اكتشفت بأني قد فقدت أخيها لنبدأ مرحلة البحث من جديد وأنا قد أنهكني التعب والخوف على أبنائي!. حماية الأطفال وفي هذا السياق أوضح "د.سعود كاتب" - المتخصص بتكنولوجيا الإعلام والناشط في مجال حقوق الطفل- أن تجربة الإسوارة الإلكترونية من أهم التقنيات التي تساعد على حماية الأطفال من حوادث الضياع، أو حتى خروجهم للخارج بمفردهم وتعرضهم لحوادث السير والكثير من المخاطر، فهناك من يأخذ أطفاله وينساهم أو يتكاسل في مراقبتهم. وقال:"إن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الوالدين في مراقبة ومتابعة أطفالهم، سواء في الأسواق أو في مدن الألعاب أو في أي مكان يشهد ازدحاماً، وبعد ذلك تأتي مسؤولية تلك الجهات في توفير آلية معينة لدخول وخروج الأطفال مع أهاليهم، وليس مع أشخاص أغراب، ولا شك أن هذه الآليات متعددة ويطول شرحها"، مشدداً على ضرورة تفعيل كاميرات المراقبة، خاصة في الأماكن التي تشهد تواجدا كبيرا ومستمرا للأطفال، وكذلك من الأهمية أن يتم إلزام هذه المجمعات باستخدام التقنيات الالكترونية أو السياسات الأخرى لحماية الطفل من الضياع. اطمئنان الأسر وأشاد "د.كاتب" بتجربة إحدى الدول في تطبيق تلك التقنية، حيث يتم وضع ختم مخفي على يد الطفل ومن يكون معه من والديه، وعند خروجهما يتم تمرير جهاز معين على يديهما؛ فلو خرج الطفل مع غير والديه يصدر الجهاز صوتاً لتنبيه رجال الأمن بأن هناك ما يدعو للشك والريبة، فيتم حينها منع الطفل من الخروج حتى يتم مطابقة الختم الموجود بيده للختم الموجود بمن كان معه عند الدخول. وقال:"إن هذه التقنيات تزيد في مسألة اطمئنان الأسر على أبنائهما في حالة فقدانهم، بل إنها ترفع من نسبة عملائها الذين يهمهم تواجد مثل تلك التقنيات المساندة لدورهم في حماية الأطفال، خاصة الذين يختفون في (غمضة عين)"، داعياً أن يكون هناك توازن ما بين دور الأم تحديداً ودور هذه الجهات، بحيث لا تعتمد الأم على تلك التقنيات، وتغفل عن مراقبة أبنائها، وكذلك ضرورة زيادة تثقيف المجتمع و"التجار" بأهمية هذه التقنيات التي لو طبقت ونجحت مع طفل واحد فقط من بين مئة طفل فهذا بحد ذاته كافٍ؛ كونها نجحت في حمايته من خطر قد يؤذيه!. تطورات هائلة من جانبه قال "د.صالح بن غرم الله الزهراني" -عضو هيئة التدريس بكلية علوم الحاسب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-:إنّ العالم اليوم يشاهد تطورات هائلة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات وتأثيرها على سلوكيات الناس، وطريقة أدائهم للأعمال اليومية وتسيير أمورهم الحياتية، ولذلك أصبح لزاماً على الدول تهيئة البيئة المناسبة لاستخدام التقنية لتسهيل إجراءات العمل ورفع الوعي بأهمية وقيمة أمن المعلومات وتأثير التهديدات الإلكترونية على حياتهم اليومية، مؤكداً على أنه يجب على صنّاع القرار أن يكون لديهم إدراك تام بتقنية المعلومات وأساليب قرصنة المعلومات، وطريقة حماية المعلومات الوطنية، وهنا يجب أن يؤدي مديري إدارة نظم المعلومات دور المعلم والمنبه لواضعي السياسات العليا في مجال نظم المعلومات. أنظمة المعلومات وأشار إلى وجود اتجاه قوي لدى المنظمات والأشخاص إلى الإفادة من أنظمة المعلومات الحديثة في تحسين مستوى الحياة وتسهيل أمور حياتهم والحفاظ على مكتسباتهم وحياة أطفالهم، لافتاً إلى أنه لا يوجد ما يمنع استخدام الإسوارة الإلكترونية، ولكن مع هذا نجدها غير مفعلة لدينا لعدة أسباب، أهمها: أنّ هذه التكنولوجيا تؤدي إلى هبوط حاد في حالات الاختطاف -لا سمح الله- والضياع، ولكن لا تقوم بإزالتها كاملة، وربما حاول الخاطف تطوير أسلوبه بنزع الاسوارة قبل بداية اختطاف الطفل، وكذلك تتطلب تلك التقنية المتابعة من طرفين هما المستقبل والمرسل؛ فإذا تخلى أحد الأطراف عن هذه التكنولوجيا فلن تعمل واحتمال هذا كبير جداً مع الأطفال، هذا فضلاً على أنّ الاعتماد على التكنولوجيا يكون أحياناً خطر بحيث أنّ الإنسان يبدأ بالاعتماد على التكنولوجيا، وإهمال تطوير مهاراته، ومنها ملاحظة الأطفال، مذكراً أنّ ضياع الأطفال سببه هو غياب نظر والدته عنه ولو لثوان، واحتمال أن تكون الأم مهملة نسبة عالية، وبالتالي خاصية الإهمال موجودة. كاميرات المراقبة وكشف الأستاذ "علي بن محمد القحطاني" -رجل أعمال- أنّ هناك مدنا كبرى لألعاب الأطفال وقضاء عطلهم ومنتجعات قد ينفرد فيها صغار السن من البنات والأولاد، ويفقد الصغير أهله وقد يكون هناك متربصون من أجل سلب أو خطف لغرض في نفس المعتدي، لهذا تأتي أهمية تعميم الأسوارة الإلكترونية التي تسهل الوصول إلى الأطفال دون هلع أو خوف من الأم وطفلها. وقال:"إن غياب المراقبة للحظات قصيرة والانشغال عنه بشيء ما قد يتم تداركه بوجود هذه التقنية، خاصة إذا كانت كاميرات المراقبة لا تغطي بعض الأماكن؛ فإن هذه الأسوارة هي من الحلول التي تساعد وتقلل من حدوث مثل هذه الحالات"، مشيراً إلى أنّ الأماكن العامة التي لا تحتاج إلى تأسيس كاميرات مراقبة مستديمة، فإنها بحاجة ملحة إلى استخدام مثل هذه التقنية، أما الأماكن المزودة بتقنية مثل كاميرات المراقبة، فإنّ تواجد المسؤول في غرفة المراقبة لاستدراك مثل هذه الحالات الطارئة والمخارج والمداخل معروفة لدى إدارة العمليات في كل مجمع أو مركز تجاري أو ترفيهي فإنها قد تُغني عن استخدام هذه التقنية في بعض الحالات.