سألت إحدى صديقاتي عن الطبيب الذي ذهبت إليه مؤخرا.. وذلك بعد معاناة وتردد على الأطباء من أجل أن تجد حلا ناجعا لمشكلتها الصحية. لما سألتها أجابتني من فورها ووجهها مبتسم: رائع الطبيب. قلت لها هل شخص مشكلتك؟ هل وجد حلا لك بعد طول عناء؟ قالت اعتقد أنه كذلك.. ولكن قبل براعته.. يكفي أنه استمع إلي؟ أتصدقين هو أول طبيب يسمع شكواي وأعراض مرضي مني؟.. لا كما يفعل غيره من الأطباء الذين ذهبت إليهم والذين فقط يريدون سماع أصواتهم تعلو فقط على صوت المريض.. ولا يعطونه أي فرصة ليشرح أعراضه!.. ولماذا يعطونه فرصة - تقول صديقتي ساخرة - وهم الأعرف بالأعراض والأقدر على سردها تباعا وبطريقة آلية وكأنهم يقرؤون كتابا، لا مريضا موجودا أمامهم من لحم ودم وشعور! برغم كراهيتي لتعميم الأحكام على البشر، ولكن أستطيع أن أقول إن الإنصات وحسن الاستماع غائب عن أطبائنا الا من رحم الله!. أُدرس مهارات الاتصال لطالباتي في الجامعة وأركز في المادة على مهارات الاتصال للمعاملين في الوظائف الصحية. ومن بين هذه الفئة الأطباء بالطبع. المهم لا تتعجب قارئي العزيز من كون مهارة الاستماع مهمة وربما تعادل في أهميتها مهارة الطبيب وبراعته في تشخيص المرض! الطبيب الآن في عجلة من أمره.. ولديه دقائق معدودة فقط للمريض! يقول أحد الأطباء مدافعا: لماذا أضيع وقتي في الاستماع لشكوى وأعراض طويلة أنا حفظتها عن ظهر قلب! وأنا أعرف بها من المريض! في دراسة مميزه لماكينلي Mckinley قام فيها بتحليل المصطلحات والمفردات التي يستخدمها الأطباء في التواصل مع مرضاهم. فوجد أن حوارات الأطباء تشير إلى أنهم يرون مرضاهم بصورة العاجزين عن فهم مرضهم وقليلي الذكاء!. كما أن الأطباء قد يخطئون في التعامل مع المريض كشيء أو حالة مرضية لا كشخص له مشاعره!. فالطبيب في هذه الحالة يكون ممتنا للمريض اذا تركه يفحصه والتزم المريض أثناء الفحص الصمت! دون أن يزعج الطبيب بشكواه وقلقه وأسئلته!.. هذه الظاهرة "تشييء المريض" وعدم الاكتراث لمشاعره وكيانه لها أثرها السلبي على العلاقة بين الطبيب والمريض ومدى التزام المريض بالدواء والمواعيد الطبية، بل لها أثرها حتى على صحة المريض الجسدية. ففي دراسة وجد العلماء أن نسبة مضاعفات أمراض القلب تزداد بعد جولات الأطباء على أقسام المرضى! الدراسات أيضا تبين أن المريض لا يأخذ وقته الكافي في وصف شكواه. أشارت إحدى الدراسات أن في 23% من الاستشارات الطبية لا يستطيع المريض الانتهاء فيها من سرد أعراضه. وأن الطبيب يتدخل ليقاطع المريض قبل أن ينهي حديثه في 69% من الحالات.. وتكون المقاطعة بعد 18 ثانية فقط من بداية حديث المريض!. وفي الواقع ان أثر عدم الاستماع الجيد له آثار بالغة الخطورة، تطال حتى الطبيب نفسه!.. وهذا ما سنتطرق إليه في المقال القادم بإذن الله.