عادة، لا يكرر الناس سيرة فرد من أفراد المجتمع إلا إذا وصل إلى درجة عالية من الثراء وأصبح مرموقاً مالياً. هذا ما يصل على أسماعه: * «كان ذاك سائق شاحنة»..! * «هذا لولا فلان من الناس ما طلع». لدرجة أن بعضهم يكره الساعة التي أصبح فيها ثريا.. من كثرة ما تلاك سيرته الشخصية. حتى أن البعض يتعمق في أحواله الأسرية فيقول مثلاً: «هذا متزوّج ثلاثا» وهكذا. ووجدتُ أن من كتبوا سيرهم الشخصية افتخروا ببداياتهم المتواضعة. كانت طفولتهم هزيلة باعثة على الشقاء. تعيسة ومثيرة للشفقة. وبتوفيق الله ثم إصرارهم برزوا في علوم أو تجارة يحسدهم عليها الكثير. ومعروف عندنا في نجد أن «الزرنوق» هي شرفة هرمية الشكل من الطين تزيّن بها عادة زوايا البناء. لكنه - أي «الزرنوق» أكثر من غيره من أركان البناء عرضة للسقوط بسبب الأهوية والأمطار..! نصل إلى أن الزرنوق لا لزوم له، مثل البعض داخل أجهزتنا الوظيفية. وكان من ضمن مهام الزرنوق أن يطلى بالجض إما إمعاناً في رونقة المنزل أو من أجل تسهيل عودة حمام الدار إلى أوكارها. والطرح الأخير خطأ. لأن الحمام مشهور بقدرته الفائقة على تمييز أوكاره دون «جص». ودور «الزرنوق» على البئر كان له دور آخر.. مغامراتي، فكان الذين اعتادوا على السباحة في الآبار يتبارون في الهبوط أو الغطس في البئر من الزرنوق. فالانقضاض إلى عمق البئر من الأعلى يوحي بالبسالة والجرأة. والزرنوقان - حسب شرح القاموس - حائطان أو عودان على جانبي بئر. فتوضع عليهما خشبة تعلق بها بكرة يُسقى بواسطتها، والأرجح أن الكلمة مقتبسة من الآرامية. لأن كلمة زارنوكو zarnouqo بالآرامية تعني الدلو. وأورد الشيخ محمد بن ناصر العبودي في مؤلفه «كلمات قضت» مثلاً دارجاً يقول «شاهدها زرنوقها» ويضرب للاستدلال على الشيء بدليل ظاهر.. والضمير يعود إلى البئر التي انطمرت وبقي «زرنوقها» شاهداً على وجودها. بعض المعاجم الفصحى تقول: زرنق. وجاء في اللسان: الزُّرْنُوقانِ: حائطان، وفي المحكم: مَنارتانِ تُبْنَيانِ على رأْس البئر من جانبيها فتُوضع عليهما النَّعامةُ، وهي خشبة تُعَرَّض عليهما ثم تعلق فيها البَكْرة فيُسْتَقى بها وهي الزَّرانِيق، وقيل: هما خشبتان أَو بناءان كالمِيلَين على شَفِير البئر من طين أَو حجارة، وهذا يدل على أهمية «الزرنوق» كمعلَمٍ من معالم البئر. وليس له أهمية في أعالي سطوح المنازل.