دخلت الخادمة بيوت السعوديين مثلما أفهم من باب الترف .. منذ نحو ثلاثة عقود ، أتحدث عن العموم لا عن علية القوم ، وانتهت لاحتلالها من باب الضرورة .. بعد أن تحوّلت مهمتها من خادمة تمّ استقدامها من أجل القيام ببعض الأعمال المنزلية كالتنظيف والجلي والغسيل وما إلى ذلك ، لكنها ونتيجة إسراف معظم الأسر في التخفف من كل الأحمال .. تحوّلت إلى مديرة منزل مع مرتبة المارشالية ، تدير دفة المطبخ والمخزن ، وربما رعاية الأطفال وتربيتهم ، وتحدد ما يلزم الأسرة وما لا يلزمها .. بعد أن تخلت الكثير من النساء عن أدوارهن الأصلية.. فأصبح الناس مرتهنين للخادمة داخل المنزل ، والسائق خارجه.. حتى لم يبق لنا سوى أن نؤدي واجب العزاء لأي بيت تقرر خادمته السفر خاصة في شهر رمضان ، أو سائقه أيام الدراسة. هذه جريرتنا.. نحن صنعناها بأيدينا ، وها نحن نعيش مخرجاتها أزمات متتالية مع الخدم ومكاتب الاستقدام ، بعد أن صنعنا منها ثقافة سلوك اجتماعي نشعر أننا أدنى من أن نجد لها الحلول . ونأكل من ورائها المقالب الواحد تلو الآخر.. كل الأسر غنيها وفقيرها بنت حياتها اليوم على وجود الخادمة ، ولم يعد بوسع أحد أن يقدم وصفة علاجية للفكاك من هذا الداء.. لذلك علّق الناس آمالهم - كل آمالهم - على فكرة شركات الاستقدام التي أعلن مؤخراً عن تأسيس أولاها في أبها .. لكنني على يقين من أنها لن تجلب الحل المثالي ، ولن تغلق باب (الشغالة ما تصلح) أو (الشغالة نفسها شينة) أو (الشغالة تبي تسافر) .. لأن ما نعيشه اليوم مع واقع الخادمات جاء نتيجة ثقافة ترسخت جذورها بمرور الزمن ، وأثرت في نمط الحياة في البيت ، وحتى على طريقة تصميمه ، وعلى العادات الغذائية لأفراده ، وعلى وعلى ... على اعتبار أن الخادمة أو الخدم جزء لا يتجزأ من منظومة الأسرة ، ومثلما هو معلوم فإن لكل ثقافة ضريبتها التي يجب أن تُدفع ، على سبيل المثال : الحوادث المرورية هي ضريبة اختصار الوقت التي قدمتها ثقافة خدمة السيارة كما يقول منيف ، لأن الحمار كوسيلة نقل ما كان ليتسبب في هكذا حوادث بخطواته البطيئة ، وما كان ليستدعي نظام ساهر ومخالفاته التي تعصف بالجيوب ، لذلك وطالما أننا ارتضينا هذه الثقافة فعلينا ألا نجزع من هذه البورصة ، (بلغ إيجار الخادمة في شهر رمضان ما يُعادل راتب موظف!!) ، لذلك علينا ألا نتأفف أو نحتقن إن لم نعثر على ما نتمناه من المواصفات ، علينا ألا نغضب من مكاتب الاستقدام الداخلية والخارجية التي وجدت ضالتها فينا لتبيعنا الأوهام بأبهظ الأثمان ، لا بل علينا ألا نلوم سلطات الاستقدام في أندونيسيا أو غيرها التي عرفت كيف تلوي أذرعتنا للحصول على ما لا تستحقه عمالتها. أضحكني أحدهم عندما قال : إنه منذ سنوات كان قد أعاد خادمته إلى المكتب لأنه عثر عليها وهي تفرغ أنفها ، أثناء ما كانت تعدّ الكبسة ! ، وأنه الآن مستعد لأن يسد أذنيه وعينيه عن كل ما تفعل شريطة أن يكون في بيته خادمة. يا للهول!..