شهدت مصراتة المتمردة البعيدة عن عاصمة المتمردين والقريبة بشكل خطير من عاصمة النظام، معارك عنيفة لكنها تتعافى اليوم شيئا فشيئا. وتحمل المدينة في كل مكان اثار معارك عنيفة استمرت عدة اشهر خلال الربيع حتى تمكن المتمردون من دحر قوات القذافي وفك الحصار عنها بفضل غارات حلف شمال الاطلسي. وما زالت المدينة الساحلية التي كانت تضم نصف مليون نسمة قبل اندلاع الانتفاضة منتصف شباط/فبراير، تتعرض لقذائف قوات الزعيم معمر القذافي التي انسحبت لكنها تتمركز على بعد بضعة عشرات الكيلومترات فقط. وباتت المدينة لا تشبه بنغازي او اجدابيا، شقيقتيها في التمرد شرق ليبيا بل اقرب الى ساراييفو بعد الحرب او الى مدينة اجتاحها زلزال كبير كما تشير الى ذلك جملة كتبت على الجدار "مرحبا في مصراتة غراد". وعلى طول شارع طرابلس المحور الاساسي في المدينة الذي طالما كان خط الجبهة، لم تسلم اي عمارة على طول كيلومترين وما زال حطام الحاويات والسيارات على الارصفة. وكانت المعارك عنيفة في معظم المباني من متاجر وشقق ومكاتب اصبحت واجهاتها مليئة بالثقوب وتشبه منحوتات كبيرة تظهر فيها هياكل حديدية حولها قليل من الاسمنت المسلح. لكن الان وقد طرد قوات القذافي من ضواحي المدينة يحاول السكان وسط كل هذا الحطام استعادة حياتهم العادية. ويتقاضى معظم سكان المدن الليبية رواتبهم من الحكومة. لكن في مصراتة لم يتقاض اي موظف راتبا منذ اشهر وبات اصعب من قبل التنقل بسبب ندرة البنزين الذي يضطر سائقو السيارات القلائل الانتظار ساعات طويلة امام محطات البنزين من اجل الحصول عليه. لكن الحرب ليست بعيدة كثيرا اذ تعبر سيارات المقاتلين المكشوفة وسيارات الاسعاف بانتظام المدينة بسرعة كبيرة بعضها محمل بالذخيرة ومتوجهة الى الجبهة والبعض الاخر بالمقاتلين الجرحى. ويعاني السكان خصوصا من القذائف التي ما زالت تسقط تقريبا يوميا، ورغم انها تتسبب في القليل من الضحايا لكن وقعها المعنوي كبير. الى ذلك اعترف متحدث باسم المعارضة الليبية الجمعة بان قوات الزعيم الليبي معمر القذافي مازالت تسيطر على المرفأ النفطي والمصفاة في ميناء البريقة الشرقي الاستراتيجي رغم التقدم الذي أحرزه مقاتلو المعارضة. ويرى المعارضون ان تأمين البلدة يعد نقطة تحول في الحرب المستمرة منذ نحو ستة أشهر ويأملون في استئناف صادرات النفط من هناك في اسرع وقت ممكن. وقال مقاتلو المعارضة انهم استولوا امس الاول على جزء من مدينة البريقة النفطية بينما تحاول قوات المعارضة في الغرب التحرك صوب الزاوية في مسعى للزحف نحو العاصمة طرابلس معقل القذافي. وقال محمد الزواوي المتحدث باسم المعارضة للصحفيين ان الدخول الى المدينة ليس آمنا بعد. وتقع الاحياء السكنية التي دار فيها القتال على بعد نحو 15 كيلومترا الى الشرق من الميناء والمرفأ النفطي. وأضاف ان المعارضة تحاول الان تطهير المنطقة وان هناك بعض قوات القذافي التي تطلق الصواريخ على المدينة. وفي غرب ليبيا زحفت قوات المعارضة المتمركزة في المنطقة شمالا نحو بلدة الزاوية بالقرب من ساحل البحر المتوسط في محاولة للوصول الى نقطة تدخل العاصمة طرابلس في نطاق مرمى أسلحتها لكنها لم تتقدم عن المواقع التي كانت متمركزة فيها امس الاول وانتفضت الزاوية ضد القذافي مرتين هذا العام دون جدوى. وقال مقاتلو المعارضة انهم وصلوا الى منطقة بئر شعيب التي تبعد حوالي 25 كيلومترا عن الزاوية وهي بلدة تقع على مسافة تقل عن 50 كيلومترا الى الغرب من طرابلس معقل القذافي على الطريق السريع المؤدي الى تونس والذي كان شريان الحياة لليبيا. وقال مقاتل من المعارضة اسمه فارس "تقدمنا عبر قرية ناصر وفي الوقت الراهن نحن على بعد نحو 25 كيلومترا من الزاوية". ومعركة الغرب واحدة من ثلاث جبهات كبيرة منفصلة للمعارضة ضد قوات القذافي. وفي الشرق حول ميناءي مصراتة والبريقة تعثر القتال في الاسابيع الاخيرة بينما تقدم مقاتلو المعارضة في الغرب. في السياق ذاته وقع الرئيس الروسي دميتري مدفيديف مرسوما يؤيد قرار مجلس الامن الدولي رقم 1973 الذي يقضي بفرض عقوبات على ليبيا ، حسبما اعلن المكتب الصحفي للكرملين امس الجمعة. وذكرت وسائل الاعلام الروسية ان المرسوم الجديد يمنع الطائرات المتجه الى ليبيا أو تلك المملوكة للشركات الليبية أو لمواطنين ليبيين، وكذلك الطائرات المسجلة في ليبيا، وتلك التي تستخدم لنقل المرتزقة، أو الأسلحة الى ليبيا من دخول المجال الجوي الروسي . ولكنها اشارت الى ان الحظر لا يشمل الطائرات التي تقوم برحلات إنسانية أو التي تطلب السماح بالهبوط الطارئ. واضافت ان المرسوم يسمح للسفن الحربية الروسية بتفتيش السفن المتجهة الى ليبيا والعائدة منها، او إذا كانت هناك معلومات تشير الى ان تلك السفن تستخدم لغايات عسكرية من قبل أطراف ليبية. كما يمنع المرسوم أي تعاملات مالية مع الأرصدة التابعة لأفراد أسرة الزعيم الليبي معمر القذافي والمقربين منه، بالإضافة الى عدد من الشركات الليبية، كما يفرض حظرا على دخول بعض الشخصيات الليبية للأراضي الروسية. يذكر ان روسيا كانت امتنعت عن التصويت على القرار 1973 الصادر يوم 17 اذأر/مارس الماضي بشأن فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا وتشديد العقوبات الدولية ضد النظام الليبي التي شملها القرار رقم 1970 عن المجلس في 26 شباط/فبراير. كما اعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن قلقه من العدد المتزايد للقتلى في صفوف المدنيين في النزاع الليبي بما في ذلك في غارات حلف شمال الاطلسي. وجاء في البيان "ان الامين العام قلق جدا للمعلومات التي تشير الى العدد غير المقبول للخسائر المدنية في النزاع في ليبيا". كما دعا "كافة الاطراف الى التزام اقصى درجات الحيطة في تحركاتهم للحد مستقبلا من الخسائر في صفوف المدنيين". وردا على سؤال لفرانس برس لمعرفة ما اذا كانت هذه الرسالة موجهة ايضا الى الحلف الاطلسي شددت متحدثة باسم الاممالمتحدة على انها تعني "كافة الاطراف". وبان من مؤيدي التدخل الاطلسي في ليبيا لحماية المدنيين من قوات الزعيم الليبي معمر القذافي. لكن بعض اعضاء مجلس الامن الدولي انتقدوا بشدة غارات الاطلسي. وتعتبر الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا ان هذه الضربات تتجاوز تفويض الاممالمتحدة في الملف الليبي. ووصفت المديرة العامة لمنظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ايرينا بوكوفا هذا الاسبوع قصف مقر التلفزيون الرسمي الليبي في طرابلس في 30 تموز/يوليو ومقتل ثلاثة من العاملين فيه بانه "غير مقبول". ويؤكد الحلف ان غاراته تندرج في اطار القرارات الدولية التي تم تبنيها هذه السنة وتجيز الاعمال الرامية الى حماية المدنيين.