الشعوب العربية في حركات 2011 ترفع مطالبها بالعدالة والحرية والمبادئ الديمقراطية, مستعيدة تقريبا نفس الشعارات التي رفعت ولوح بها قبل مايربو عن الخمسين عاما التنظيمات العسكرية التي قفزت على الحكم في كل من تونس ومصر وسوريا واليمن وموريتانيا وسواها من دول العالم العربي لتكتشف لاحقا الشعوب العربية أن تلك التنظيمات يبست العملية الديمقراطية وحجبتها بل حولت المجتمعات إلى معسكرات تسبح بمجد الحزب أو الفرد صباح مساء و باتت الديموقراطية في المجتمع العربي مجرد لفظة نتشدّق بها، أي مجرّد لغو. أو كما يقول الشاعر أدونيس في رسالته إلى الرئيس السوري. (سيدي الرئيس المفارقة اليوم: حزبٌ حكَمَ، باسم التقدم، باسم الخروج بالمجتمع من أحواله المتخلّفة إلى أحوال ناهضة، يجد نفسه اليوم، أنه متَّهَم ومسؤول تماماً كمثل الجماعات التي تعارضه، عن الانهيار الآخذ في التحقّق، انهيار سوريا وتشويه صورتها الحضارية بوحل «الطائفية» و»العشائرية» و»المذهبية» ووحل التدخل الخارجي ووحل التعذيب والقتل والتمثيل بجثث القتلى.) باستطاعتنا الآن أن نزيل بعض الأتربة وغبار الزمن عن شعارات تلك الأحزاب العسكرية لنجدها مابرحت قابلة للتطبيق والاستعمال سواء مايتعلق باستحقاقات الشعوب السياسية أو الخطط التنموية التي تنهض بتلك الشعوب في مختلف الميادين . الديمقراطية ليست ثوبا جاهزا نستورده ومن ثم نطمح أن ترتديه الأنظمة ليتغير كل شيء، كما تغيرت (قرعة اليقطين ) إلى مركبة ذهبية في حكاية سندريلا . فشعوب المنطقة ترقد على إرث كبير ومستحكم من العصبيات والأصوليات وانعدام الحريات في متوالية تغور عميقا في التاريخ . يقول المفكر العربي مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور (لازالت مجتمعاتنا في مرحلة سابقة على المجتمع المدني القائم على المؤسسات التي يتصدر فيها الاقتصاد والانتاج على السلطة , بينما شعوبنا لازالت في مرحلة سابقة على هذه النقلة التي أخذت ثلاثة قرون من عمر الثورة الصناعية , والتحولات المؤسسية والفكرية التي واكبتها خدمتها , إننا لازلنا بصدد مجتمعات تتصدر فيها أولوية السلطة على الانتاج والاقتصاد , وتحكمها في الأعم الأغلب علاقات الولاء والتبعية , ذات الجذور الراسخة في قوى العصبيات وتنازعها على السلطة والثروة). فالمجتمع المدني لانستطيع أن نستورده مع التقنية والعطور بل هو يستزرع في البيئة , كنبتة صغيرة مذعورة تحتاج إلى حدب وعناية وأجيال متوالية تؤمن بها وبكونها ضرورة حتمية للنهوض بالمنطقة من كبوتها الحضارية , ومن هناك فقط قد تجد طريقها للحياة عدا ذلك فسوف تجهض حتما كالكثير من المشاريع النهضوية التي قامت في المنطقة في العصر الحديث ,ابتداء من مشروع محمد علي في مصر إلى الآن. وهذا الذي يجعل المتأمل الخارجي لما يسمى بالربيع العربي حذرا وقلقا من أن يكون مآل مايحدث في العالم العربي هو نسخة لثورات سابقة عجزت عن أن تصنع فرقا في مايتعلق بالمؤسسات المدنية وتداول السلطة ومحاربة الفساد وسوء الأنظمة الإدارية وترهلها وتردي مستوى التعليم , وماهنالك من مشكلات يعاني منها العالم العربي . هل مايحدث في العالم العربي الآن هو المشروب القديم لكن في آنية جديدة ؟ هل بلغت الشعوب رشدها ونضجت على مستوى الممارسة السياسية والحضارية ؟ أسئلة كثيرة وحده الزمن والترقب سيجيبان عليها .