ما قاله خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، لمواطنيه في الديوان الملكي ومن خلفهم لملايين السعوديين الآخرين كان دليلًا إضافياً على تميز هذا الرجل الكبير. ذلك التميز شاهدناه عيانا في عشرات من المواقف والمشاريع الكبرى التي نثرها على خارطة الوطن. وهو في حديثه لمواطنيه أعطاهم خلاصة تجربته في حديث صادر من قلب جمع بين الإيمان العميق، والحب والتواضع. ابتدأ الملك عبدالله حديثه كما تعودنا منه أن يفعل .. حمد الله وأثنى عليه ثم شكر مواطنيه وهنأ نفسه بهم وبأخلاقهم ودينهم ووطنهم، بعدها أوصاهم بتقوى الله ثم حب الوطن. عقب ذلك أرسل الملك عبدالله ثلاث رسائل في غاية الأهمية لمواطنيه. تلك الرسائل، في الحقيقة، تمثل منهج الملك عبدالله في الحياة ونظرته لإدارة الأعمال وفلسفته تجاه الخدمة العامة. فحين يوصى الملك عبدالله السعوديين بالصدق بالقول ويكررها ثلاثاً ويرجوهم أن يتحروا الصدق في معاملاتهم وفي بيوتهم ومع أولادهم وأقاربهم، ويوضح لهم أن الصدوق يجبر الآخرين على احترامهم، فإنه في الواقع يرشدهم إلى منهجه، هو نفسه، في الحياة. فالمشهور عن الملك عبدالله انه قد يتسامح مع المخطئين ويمنحهم فرصة أخرى، لكنه، أبداً، لا يتسامح مع الكاذبين ويفقد ثقته فيهم تماما. وحين يقول الملك عبدالله إنه لا ينام الليل إلا بعد التأكد من أوضاع جميع مناطق البلاد، ومعرفة ما جرى فيها فإنه يعبر، بحق، عن طريقته في الإدارة ونظرته إلى أن من يتولى الخدمة العامة يجب ألا يدخر جهداً في الإخلاص في عمله، وأنه مهما اجتهد فليس في هذا منة بل هو واجب. إذ لا يكفي أن يركن المرء إلى أنه قد كلف غيره بالقيام بأعمال محددة، بل يجب عليه، دائماً، متابعة ما يجري والاطلاع الكامل على سير العمل حتى تبرأ الذمة. وحين يقول الملك عبدالله إنه ليس إلا خادماً للمواطنين بل ليس إلا أقل من خادم فإنه، مرة أخرى، يقدم فلسفته المتمثلة في أن المنصب العام، حتى وإن كان يمثل قمة هرم المسؤولية، يعتبر شاغله خادماً لمن يقعون تحت ولايته. فالمنصب العام تكليف لا تشريف، وهو ما لا يعيه كثير من المسؤولين الذين يرون المنصب العام مجرد وظيفة ومورد رزق لا أمانة عظمى يحاسب المرء عليها يوم الدين إن فرط أو قصّر في خدمة البلاد والعباد. جزى الله الملك عبدالله عنا كل خير فإنه عمل، ويعمل، جاهداً لأداء أمانة ثقيلة اختصه الله بها..