حين تقرأ بعضاً من قصائد الشاعر الكبير سليمان العيسى تغمرك فرحة وبهجة وتشعر ان شعرنا العربي مازال ينبض حيوية وجمالاً على الرغم مما أصابه من فتور وما اعتوره من ركاكة لاسيما بعد ان تسلق شجرة الشعر العربي طائفة من الادعياء وغيرهم من الشعارير الذين لا تجد بين قوافيهم أريج الشعر ولا بين بحوره أصالة لهذا الفن العربي الأصيل، لكن حينما تقول (سليمان العيسى) ينتابك زهو وفرح لأنك سوف تنصت لقامة سامقة في دوحة الشعر العربي ذلك ان شاعرنا العيسى يجيد ركوب صهوة الشعر ويفتن في غرسه بين جوانح قرائه ومعجبيه، وها هو اليوم يصدر عن دار جداول طاقات من شعره الذي سبق ان نشر بعضاً منه ولكن في حدود ضيقه فلم يكتب له الحضور على مستوى الساحة الشعرية في عاملنا العربي ما جعله يخرج بعضاً منه حتى يتسنى لقارئه التواصل مع إبداعه الزاخر. وسم العيسى هذا الديوان ب (السفر الجميل) وألقى بين يدي القارئ عيون ما كتب وأبدع. تقول زوجه الدكتورة ملك أبيض في مقدمة الديوان: ففي الثمالات قصائد وأبيات من بوح الذات أفكار ألحت عليه فسجلها واعترافات لم يستطع كتمها أو لم يرده، فسمح لها بالظهور، وفيها قصائد من وحي أرضه وذكرياته الحميمية والأماكن التي توقف فيها خلال أسفاره، وأخرى تسجل انطباعاته عن أحداث خاصة تركت أثراً في نفسه أو عامة هزت أبناء أمته ولكنه أثر ان يعلق عليها بنبرة هادئة مؤثرة. الديوان انطوى على خمس ثمالات تقطر جمالاً وقد حملت هذه الثمالات جمهرة من القصائد هي من غرر قصائد العيسى عبر تجربته مع الشعر التي تمتد لقرابة السبعين عاماً يقف الشاعر سليمان العيسى على مضارب عبلة في بادية نجد فلم يفلح ان يسكت شيطان الشعر فقال: أطلق صهيلك هذا الرمل والطلل هذي جذورك في عينيك تشتعل يا دار عبلة إني دمعة طفرت ورحت في شهقة الصحراء ارتحل طفولتي في يدي أذرو براءتها على الطريق فعمري مورق خضل وتوقظ الخيمة الزرقاء أغنيتي فاللحن بيني وبين الدهر متصل. وعلى هذا الإبداع المصفى تنهمر قصائد العيسى في هذا الديوان حتى في رثائه تجده يرسم لوحات الألم والحنين فها هو ينشد قصيداً إلى روح الشاعر الكبير محمد الثبيتي فيقول: وتأتيني من الرمل العتيق نياسم جدد تجلى سرنا الموؤود فيها منذ أجيال تجلى الفاطر الصمد من واد نزلنا ذات يوم «غير ذي زرع» وفيه تنزّل الأبد يطل عليّ وجهي نخلي العربي برقاً في ثنايا الحلم يتقد. ما ميز قصائد الديوان أنها جاءت انطباعات لمدن عربية تجاوب مع أراضيها وتفاعل مع ساكنيها فولدت هذه النصوص المعتقة.