قبل حلول موعد الإجازة الصيفية، ناقشت أسرة "محمد" المكونة من زوجته وأبنائه الثلاثة وابنتيه، الأماكن التي من الممكن قضاء الإجازة فيها، ليستقر رأي الأسرة على أن يكون السفر إلى إحدى الدول السياحية، عربية كانت أم أجنبية، والبعد تماماً عن فكرة قضائها داخل المملكة. ويعود السبب في تحبيذ الأُسر السياحة في الخارج، إلى ارتفاع الأسعار داخل المملكة مقارنةً بالأسعار الموجودة في بعض الدول، سواء من حيث الفنادق وأسعار سيارات الأجرة والمأكولات وغيرها، وهناك أسباب أخرى في تفضيل السياحة الخارجية، من ضمنها التعرف إلى ثقافات الدول المختلفة بغض النظر عن تغيير الأجواء، وكذلك البحث عن شعوب أخرى لها مفاهيمها المختلفة وعاداتها وتقاليدها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى معرفة كثير من المعالم الحضارية والتراثية الخارجية. وإذا كانت الغالبية العظمى من الأسر تحبذ السياحة الخارجية، فهناك أيضاً أُسر - وإن كانت قليلة - ترى أن السياحة في الداخل لها ايجابيتها، بل وتفضل قضائها في مناطق المملكة، للقرب من الأهل والأصحاب، وخوفاً من زيادة الأعباء المالية عند سفرهم إلى الخارج، والمتمثلة في شرائهم لبعض المقتنيات الأثرية وغيرها، والمتوافرة في بعض الدول. "الرياض" تسلط الضوء على الموضوع، من أجل التعرف على المزيد من الأسباب التي دعت إلى تفضيل السياحة الخارجية، والتقت بعض العاملين وأصحاب الوكالات السياحية، لنخرج بهذا التحقيق. أجواء مضطربة في البداية قال الأستاذ "عبدالله الشريف" رئيس مجلس شركة ربل الدولية للسفر والسياحة: إنه يتوقع كثيراً انخفاض عدد السكان الذين سيقضون إجازتهم في الخارج هذا العام، مضيفاً أن الأجواء المضطربة في بعض الدول العربية التي كانت هدفاً للزائرين من أبناء المملكة، ستكون سبباً في الإحجام عن السفر لتلك الدول، مستشهداً في ذلك بتراجع الحجوزات المبكرة للعواصم العربية التي تعيش تلك التوترات، بجانب النهضة السياحية التي تعيشها بعض مناطق المملكة، التي تتمثل في بعض المهرجانات، غير أن الخوف أن عدداً من السياح، سيتوجهون إلى عواصم سياحية أخرى غير العربية؛ لأن رغبتهم تكمن في السياحة الخارجية، إضافةً الى أن هناك مبالغة يلمسها الجميع في الأسعار، رغم التصنيف الذي أعدته الهيئة العليا للسياحة والآثار لمختلف المرافق، وهناك المنتجعات السياحية التي ترفع أسعارها من دون ضابط أو رابط، سوى نسبة الربح التي يحددها المستثمر. فواز السليماني خصوصية السائح وأوضح الأستاذ "فواز السليماني" مدير عام شركة ليون اير للطيران في جدة، أنه على الرغم من أن المكاتب السياحية تتطلع لنقلة كبيرة في السياحة الوطنية خلال الفترة المقبلة عبر اطلاق برامج متكاملة، إلا أن المشكلة تكمن في السائح الذي يحبذ السفر إلى الخارج، بل ويفضل الخروج بعائلته بمفرده من واقع حرصه على الخصوصية، ذاكراً أن الحل في ايقاف التوجه نحو السياحة الخارجية، يكمن في تضافر جميع الجهات في مختلف مناطق المملكة، بغية تقديم حزمة متكاملة من الخدمات لصالح السائح، وايجاد مبلغ مالي معين وبسعر تنافسي. محدودية الرحلات وقال الأستاذ "خالد العمودي" مدير عام وكالة عطلات العمودي: إن موضوع السياحة الداخلية سينافس كثيراً في ظل تردي الأوضاع الأمنية في بعض الدول العربية، مضيفاً أنها تواجه العديد من الصعوبات، خصوصاً في مواسم الصيف، من ضمنها ارتفاع أسعار السكن والخدمات في المرافق السياحة، بجانب المتاعب الجمة في حالة الحصول على حجز للطيران، وقد تصل المعاناة إلى أسبوع كامل لتأكيد الحجز إلى مدينة في داخل المملكة؛ نتيجة لمحدودية الرحلات، مبيناً أن بعض السياح يكتشفون أن ما ينفقونه على السكن في الخارج أقل من الداخل، كما أن غالبية وكالات السفر تتنافس فيما بينها على تقديم برامج سياحية خارجية ل (4) ملايين سائح يرغبون في السفر إلى الخارج. د. عائشة نتو الاهتمام بالآثار وأضاف أن كثيرا من المدن السياحية داخل المملكة، تفتقر إلى كثير من المرافق السكنية المناسبة للسياحة، حيث لا توجد فيها إلاّ فنادق قليلة للغاية، مشيراً إلى أن الضرورة تحتم الارتقاء بالتراث السياحي في المملكة، في ظل التغييرات التي طرأت على مفاهيم كثيرين تجاه الآثار، لكونها موروثاً إنسانياً لابد من المحافظة عليه من الإندثار. امكانات متوافرة وتحدث "أحمد الدالاتي" مدير تطوير الأعمال بشركة كيرزنر العالمية في مجال السياحة بالمملكة، قائلاً: إنه يتوقع زيادة عدد السياح خلال الصيف المقبل نحو السياحة الداخلية؛ بسبب الامكانات المتوافرة داخل المملكة، وهو ما يؤهلها إلى أن تصبح إحدى أهم الدول في العالم، فهي البلد العربي الوحيد الذي يضم سياحة الطبيعة والسياحة الدينية والسياحة البحرية، إلى جانب السياحة البرية وسياحة الثقافة والتراث، إضافة إلى السياحة العلاجية، مبيناً أنه على الرغم من تطور أشياء كثيرة في المملكة، إلا أنها تسعى في أن تكون السباقة نحو التطوير والحداثة في الشرق الاوسط. أحمد الدالاتي برامج سياحية وأضاف أنه مع تقديم كافة الدعم والتطوير الذي تلقاه المملكة والسياحة فيها من الهيئة العليا للسياحة والممثلة في أمينها العام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، فإن ذلك يدل على مدى وعي المملكة وحرصها على تطوير العمل السياحي والارتقاء به إلى مصاف الوجهات السياحية الكبرى، ولتكون الوجهة المنافسة عربياً وعالمياً، داعياً إلى أن تكون هناك جهودا مضطردة من قبل ادارات المهرجانات السياحية؛ لابتكار المزيد من البرامج السياحية، ذلك لأن هناك خسائر فادحة تتكبدها السياحة الداخلية في ظل عدم وجود برامج سياحية لذوي الدخل المحدود، الذي يمثل الشريحة الأكبر في المجتمع، مشيراً إلى أن السياحة لم تعد ترفيهاً وتسوقاً فقط، بل أصبحت ثقافة ونقطة انطلاق نحو التعرف بمكتسبات الوطن التراثية في مختلف العصور التاريخية. عرض وطلب وأكدت "د. عائشة نتو" على أن مشكلة السياحة الداخلية تكمن في ارتفاع الأسعار وافتقار المناطق السياحية للخدمات، إلى جانب صعوبة الوصول إلى المناطق الأثرية، لاسيما أن النشاط السياحي وكما هي الحالة في أي نشاط اقتصادي مرتبط بالعرض والطلب، مضيفة أن السياحة الداخلية لن تكون بديلاً للسياحة الخارجية في أية دولة؛ لأن هناك قناعة من البعض أن السياحة تعني السفر إلى الخارج وليس الداخل مهما توفرت المغريات، مشيرةً إلى أن هناك عروضاً خيالية تقدمها بعض الجهات وبأسعار زهيدة، من أجل قضاء الإجازة في إحدى الدول الآسيوية. خالد العمودي مكانة عالمية وقال الإعلامي "عبدالله الدوسي": إن المملكة تحظى بمكانة عالمية، لاسيما ومكانتها كبيرة بين الدول الإسلامية، بل وتحتل المركز الأول في السياحة الإسلامية، لما يتوافد إليها المسلمين من كل فج عميق لأداء فريضة الحج والعمرة في مكةالمكرمة، وزيارة المسجد النبوي في المدينةالمنورة، وهذه الزيارات لا تنقطع على مدار العام، مضيفاً أن المملكة هيأت كل السبل من أجل خدمة ضيوف الرحمن، وما نشاهده من توسعات عملاقة في المسجد الحرام وحوله من المناطق المركزية، وكذلك المدينةالمنورة إلا دليلاً واضحاً على ذلك، مبيناً أنه يسمع كثيرا عن بعض المواقع الأثرية المنتشرة في ربوع هذا الوطن، لكنها لم تحظ باهتمام يسمح للسائحين بزيارتها، أو ليس هناك اهتمام بالدليل السياحي لتوضيح هذه الأماكن.