يكاد لا يخلو مجلس من الحديث عن الخطوط السعودية، بدءاً بقلة عدد الرحلات، والغاء بعض من المجدول منها، وتأجيل أوقات المغادرة، وسوء معاملة أغلب الموظفين الأرضيين وموظفي هاتف الحجز المركزي، مروراً بالرسوم المضافة على التذاكر حجزاً والغاء وخلافها والسؤال هو: ألا يعرف مسؤولو الخطوط ذلك؟ وماذا عملوا؟ العلاج سهل ويسير جداً ولا يحتاج الانتظار لبرامج التخصيص، ولا إلى موازنات ضخمة، ولا إلى قرارات مجلس إدارة، بل يحتاج إلى إدارة حاسمة وجادة لتعديل الوجهة المهمة لناقلنا الوطني، فالعضو المريض لابد وان يبتر حفاظاً على سائر البدن. كانت الخطوط السعودية ومعهد تدريبها مقصداً لعديد من شركات الطيران الأخرى إلى عهد قريب قبل ان يتم تقليص بعض البرامج وإلغاء أخرى، وكان يتدرب بمعهد الخطوط الطيارون وغيرهم من الملاحين والمهندسين الجويين (قبل أتممة الطائرات الحديثة) ويحققون أعلى درجات المهارة والدقة وكانت الخطوط السعودية منافسة قوية في التموين والسلامة الجوية، وكانت كذلك في دقة مواعيد الاقلاع والهبوط وكانت جاذبة للمسافرين من دول الجوار إلى جهات عالمية لم يصلها إلاّ القليل من شركات طيران الشرق، وكانت الخدمة الأرضية معقولة جداً مقارنة بما نحن عليه اليوم، وكان يتوقع لها الوصول للقمة بكل جدارة، ولكن ذلك لم يحدث، لأسباب قد نجهلها! كنت أتوقع ان الخلل يقتصر على القضايا التشغيلية وعلى خدمة عملاء الخطوط فحسب، فوجدت ان الأمر تعدى ذلك إلى أهم شريحة في أي شركة طيران، ألا وهم الطيارون والملاحون! أصحاب تلك المهن التي يتمناها الكثير من الشباب ويتطلعون إليها، وقد نجح الطيار السعودي في سنوات ماضية ووضع اسمه باقتدار بين أفضل الطيارين في العالم، وكان خير سفير لهذا البلد المعطاء. واليوم وعند مغادرتنا للطائرة كثيراً ما نلمح الطيارين وهم يغادرون قمرات القيادة في خطوطنا وتبدو على ملامحهم آثار الارهاق والتعب وعدم الرضا ولو سنحت لك الفرصة بسؤال أحدهم عن ساعات عمله، وعن برامج الرعاية الصحية له ولأسرته، والحوافز التي يحصل عليها حتماً ستفاجأ. ومن يسافر على شركات طيران أخرى غير خطوطنا الوطنية عليه ان يتابع ذات الملاحظات سيدرك ان طيارينا غير - كان الله في عونهم - ، ويحق لنا ان نتساءل عن الأسباب. أعرف أكثر من طيار من طياريننا القدامى ومن الشباب، يرددون ذات الشكوى ارهاق فوق العادة، مغامرة بسلامتهم وسلامة ركابهم، ولعل حادثة الطيار الذي توفي في الدمام (رحمه الله). وما وقع فيه مساعد الطيار من خطأ فادح على أرض مطار، عندما الزم بقيادة الطائرة من مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز في المدينة شاهد على ذلك، وتوقظ العمليات الجوية أحدهم منتصف الليل - وليس هو الطيار الاحتياط - طالبة منه ان يوصل الركاب إلى مدينة قريبة! فقط ساعتين أو ثلاث طيران المهم تقلع الرحلة ويترك الطيار يقاوم الارهاق ويكافح النوم باحتساء القهوة بافراط ونحمد الله ان هذه الأمورمرت حتى الآن بسلام - أدام الله علينا السلامة - على ما يبدو ان هذه التصرفات نتيجة حتمية عندما أسندت العمليات الجوية لغير الفنيين والمتخصصين في الطيران فإذا كان من الممكن ان يرأس المؤسسة (أي مؤسسة) قيادة إدارية عامة، فإنه حتما لابد وان يضطلع بالأمور الفنية أصحاب الاختصاص والخبرات والتجربة الطويلة ضماناً لتحقيق الانسجام والاتساق بين القيادتين الفنية والإدارية. الطيار لا يعتنى بوضعه الصحي ولا بسكنه، ولا بالحوافز الجاذبة المعطاة له، ولا بجدولة رحلاته بما يتناسب وخبراته ووضعه. والحجة تدور حول قلة أعداد الطيارين، يا سبحان الله كم من شاب سعودي أنهى بجدارة برامج الطيران على حسابه الخاص، وحصل على الرخص المطلوبة ولم يجد من الخطوط السعوديةتجاوباً، عدا البعض منهم وبعد سنوات انتظار طويلة! بحجة أنه لم يتدرب في معهدها أو لم يبتعث عن طريقها، ما دام ان هناك ضوابط ومعايير عالمية ومنح الطيار الشهادات المطلوبة تبعاً لذلك، فشكراً له حيث كفى الخطوط مؤونة التدريب والصرف عليه، وبقي عليها صقل مهارته والتأكد منها، والاستفادة منه، بدلاً من التعاقد مع غيره من الخارج. وبهذا يكون بامكانها إعداد صف ثان من الطيارين المؤهلين. هذا الصف هم من تفتقد إليه الخطوط اليوم، ففي فترة من الفترات قلصت أو أوقفت أو اهملت وجود الصف الثاني للطيارين الأوائل الأفذاذ، كما هو الحال لما حدث لاسطولها والذي ظنت أنه من الأساطيل المعمرة. وعلى حين غفلة لم تجد الخطوط أسطولاً حديثاً، ولا طيارين مؤهلين قابل ذلك تزايد الطلب العالمي والمحلي على السفر الجوي أتمنى ان لا يكون ذلك لعدم وجود استراتيجية للخطوط السعودية كما تناقله البعض مؤخراً، فإن كان الأمر كذلك فهو الخلل الحقيقي. يطل شهرمايو الميلادي، ويحمل بين طياته تعديل لرواتب الطيارين وساعات الطيران المقررة فقد زاد عدد الساعات ضمن الراتب، ولم تزد معه الرواتب، وبدل السكن لا يكفي ولا يوفر السكن المريح لأسرة الطيار الذي لا يقضي سواء ربع السنة بين أولاده وهم بمفردهم في سكن لابد له،وان يكون مريحاً وفي موقع مناسب لا يمكن للبدل الحالي من تلبيته، مما حدا بالطيارين لدفع الفرق من مرتباتهم، حيث يدفع للطيار بدل سكن محدد لا يصل إلى نصف أو ثلث الثلاثة رواتب التي تدفعها - بموجب النظام، مؤسسات النفع العام لموظفيها، ثم ماذا عن التأمين الصحي، وبدلات الخطر ومقابلة الجمهور والعدوى وغيرها من البدلات للطيارين والملاحين الجويين، ونعرف ما يتعرضون له من مخاطر، ثم كيف يتم في الرواتب معاملة الملاح الجوي كالموظف الأرضي على الرغم من اختلاف المهام والمخاطر، وغير ذلك كثير. فما بال الخطوط لا تراعي ذلك؟ الطيارون والملاحون يحتاجون للفتة عاجلة ومراجعة شاملة لأوضاعهم قبل فوات الأوان، فهؤلاء يحتاجون لجهة فاعلة خاصة بهم ترعى كافة شؤونهم المادية والمعنوية والفنية ولا أود - غيرة على مؤسسة تحمل علم واسم وطني - ان أقارن بين ما يحصل عليه الطيار أو الملاح الجوي في شركة طيران مجاورة مع ما يحصلون عليه في خطوطنا الوطنية؛ الطيار ثم الطيار ياخطوطنا الوطنية! وختاماً أرجو ان لا يطيل بنا المقام ونحن نتغنى بماضي الخطوط السعودية، ذلك الماضي الجميل حينما كنا نتردد ألف مرة ان نسافر مع غيرها، واليوم تغير الحال. لعل ما يحدث مجرد كبوة جواد، هذا ما آمله. * عضو مجلس الشورى