برز خلال السنوات الأخيرة عدد من المواقع الإخبارية السعودية على شبكة الانترنت، بعضها يحمل مسمى صحيفة، ونجح بعضها في استقطاب شريحة واسعة من المتابعين، بل إن الصحف الورقية ذاتها، أصبحت تستفيد من بعض الأخبار وتطوّرها لتنشرها. لكن إلى أي حد أسهمت هذه الصحف الالكترونية في رفع سقف الرقابة؟ وهل يأخذ المسؤول في الدولة أو المتلقي ما تنشره على محمل الجد؟ وماذا عن الطاقم التحريري؟ وماذا أيضاً عن التمويل للإنفاق عليها في ضوء غياب الإعلان؟ وهل هناك توقعات بتحسن مستوى حضور الإعلان؟ وكم تحتاج هذه المواقع من المال لتنهض مثلما يرغب أصحابها؟ وأخيراً، ما التحديات الحقيقية التي تواجه الصحف الإلكترونية، وهل تتلقى اتصالات وخطابات من وزارة الثقافة والإعلام أو من جهات رسمية تلومها على نشر خبر أو تحقيق؟ يقول رئيس تحرير صحيفة «عناوين» الإلكترونية طارق إبراهيم ان «سقف الحرية في السعودية يتصاعد في شكل منطقي في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ومن يتابع القنوات التلفزيونية الرسمية للمملكة يلاحظ ذلك بوضوح، فهناك برامج في القنوات الأولى والإخبارية والرياضية تطرح قضايا غاية في الجرأة والأهمية، وما كان لها أن تطرح سابقاً. وبالتالي، فإن الصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية استثمرت أيضاً هذا الهامش من الحرية لطرح الكثير من الأمور المسكوت عنها أو التي كان يصعب تناولها في وسائل الإعلام». ويوضح إبراهيم ان «البعض يرى أنه يفترض بالصحافة الإلكترونية أن تملك حرية أوسع من الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية الرسمية لأن لا مرجع لها ولا رقيب يحاسبها. وهذا الكلام صحيح عموماً، فالصحافة الإلكترونية استثمرت هذا الهامش إلى أقصى حد، لكن ذلك أوجد انطباعاً سلبياً لدى الناس عن الصحف الالكترونية، إذ استغل بعض الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية هذا الهامش من الحرية في الإساءة أولاً إلى الصحافة الإلكترونية ذاتها وإظهارها عند عدد ليس بقليل من الناس على أنها صحافة غير صادقة وغير موضوعية وليست محل ثقة، بسبب عدم التزامها بأصول المهنة، بدءاً من عدم دقتها في ما تنشر ومروراً بالتشهير بالآخرين والإساءة إليهم وانتهاء بفقدانها المهنية في أدائها للعمل». ويشير إبراهيم إلى أن «مزايا التقنية وتطورها عبر الانترنت والاحترافية المدعومة بالمهنية العالية لدى بعض الصحف الإلكترونية هي التي استثمرت الهامش المتاح للحرية الصحافية والإعلامية عموماً في السعودية. وبالتالي، فإن كلاً من المتلقي والمسؤول بات قادراً على معرفة الغث من السمين مما ينشر في الصحافة الإلكترونية. وعليه، فإنه يتأثر بما تنشره الصحافة الجادة ويأخذ ما تطرحه بجدية ويحسب حسابها، وينزعج مما تطرحه صحافة الهواة أو بعض المواقع الإخبارية الاجتهادية التي تفتقد إلى العمل المهني». ويضيف إبراهيم: «نحن في صحيفة «عناوين» نعتمد في مصروفاتنا على شركة «الطارق للإعلام» التي تصدر الصحيفة، وهي شركة تراهن على أن «عناوين» يمكنها أن تكون ذات قيمة عالية في السوق، وبالتالي دخل قوي من الإعلان ومن خدمة رسائل الجوال الخاص بها». ويعتبر أن «مبلغ 150 ألف ريال شهرياً كافٍ لإنتاج صحيفة الكترونية ممتازة، وحتماً كلما زاد الرقم أصبح هناك مجال أكبر لتحسين الجودة شكلاً ومضموناً». ويلفت إبراهيم إلى انه «غالباً ما تصبح أخبار الصحف الورقية المنشورة مبكراً في الصحف الإلكترونية قديمة وليست لها جاذبية عند القراء، بعدما جرى تناولها عبر يوم كامل تقريباً في المواقع الالكترونية ورسائل الجوال وبقية وسائل الإعلام الجديد مثل «فايس بوك»... و «تويتر». وهو يعتبر أن التحدي يكمن في التطور السريع في التقنية، «فمثلما تشكو صحف العالم الورقية من تراجع مبيعاتها ودخلها بسبب الصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية، فإن الصحافة الإلكترونية قد يقضي عليها منتج تقني جديد. وأكبر تحدٍ يواجه الصحافة الإلكترونية هو صدقيتها المهزوزة لدى الرأي العام». ويعتقد رئيس تحرير صحيفة «سبق» الالكترونية محمد الشهري أن الصحف الالكترونية لم تحظَ حتى الآن بالثقة الكاملة من القراء، ويعزو الأمر إلى وجود صحف الكترونية «هادفة ولديها صدقية فيما هناك صحف أخرى تعتمد على النسخ. وما زالت ثقافة القارئ ترى أن الصحف الورقية هي الأساس وذات صدقية. أما الجيل الحالي والقادر على التعامل مع التكنولوجيا سريعاً، فهناك تقبل من هذه الفئة نحو الصحف الالكترونية وإدراك البعض أن هناك صحفاً الكترونية ذات صدقية، والبعض الآخر يرى أن الصحف الالكترونية مثلها مثل المنتديات وهذا خلط بين الصحف الالكترونية والمنتديات». أما في ما يتعلق بالإيرادات، فيقول الشهري: «نعمل حالياً على إيرادات الجوال (الأخبار الآنية عبر الهاتف المحمول)، فضلاً عن تطوير نسخة سريعة لموقع صحيفة «سبق» لتلبية حاجة المعلن في الإعلان لدى الصحيفة». ويوضح ان الإعلانات في الصحيفة تلبي حاجات الصحيفة من تسديد رواتب وإيجارات، موضحاً ان المصاريف الشهرية للموقع تبلغ نحو ثلاثمئة ألف ريال. ويرى الشهري أن «هناك افادة متبادلة بين الصحف الالكترونية والصحف الورقية من ناحية الأخبار». ويضيف: «تملك الصحف الورقية مميزات أن لديها القدرة على التحرك والتواصل والبحث بطرق رسمية، فيما نفتقد في الصحف الالكترونية هذه النقطة وأخبارنا تعتمد على علاقات الصحافي وقدرته في أن يصل إلى المعلومة وان تكون حقيقية». ويشير الشهري إلى أن التحدي الأول الذي تواجهه الصحف الالكترونية هو عدم الاعتراف الرسمي «وفقدان التنظيم الذي يتطلب حماية لعملنا وحقوقنا»، معتبراً ان بعض الجهات يتعامل مع الصحف الالكترونية والبعض الأخرى يتجاهلها. أما التحدي الثاني الذي تواجهه الصحافة الالكترونية في المملكة فهو «فقدان الصحافي الذي يتعامل مع التكنولوجيا في شكل سريع، إذ غالبية العاملين في الصحف الالكترونية لم تمارس الصحافة سابقاً. وبالتالي، فإن خبرتها تقتصر على الصحافة الالكترونية فقط». ويؤكد الشهري ان «سبق» تحاول أن تكون ذات صدقية خوفاً من المساءلة. ويقول: «نحتاج إلى التوجيه وإبداء الرأي. وكان هناك تبادل للآراء مع بعض الجهات. ويخطئ من يقول ان الصحف الالكترونية لا تُسأل في ما تنشره». ويتوقع مدير تحرير صحيفة «الوئام» الالكترونية سليمان الروقي أن تساهم الصحف الالكترونية في رفع مستوى الرقابة في شكل كبير، معتبراً ان «المسؤول والمتلقي يأخذان غالبية ما ينشر في الصحافة الالكترونية على محمل الجد»، والدليل: حل كثير من القضايا والمشاكل التي تتناولها الصحف الالكترونية بالنقد أو التحقيق. ويشير الروقي إلى وجود شركات تسويق تعتبر الرافد الأول للصحيفة الالكترونية، فضلاً عن الدعم المباشر من أصحاب هذه الصحف، «إذ يضحون بالغالي والنفيس من اجل إنجاح صحفهم وتميزها»، معتبراً ان ثلاثة ملايين ريال تُعدّ رقماً مناسباً لتأسيس صحيفة الكترونية... كي تصل إلى مستوى جيد جداً. ويلفت الروقي إلى ان غالبية الصحف الالكترونية أصبحت مصدراً رئيساً للورقية، ولم يعد محررو الصحف الورقية يبحثون عن الخبر كما كانوا يفعلون سابقاً، «وكل ما عليهم اليوم هو متابعة الصحف الالكترونية من كومبيوتراتهم أو هواتفهم النقالة ونسخ الخبر ولزقه في صحيفته الورقية. وهذه نقطة سوداء في تاريخ الصحف الورقية، مع العلم أن الالكترونية لم تدع لهم كبيرة أو صغيرة... وكل ما ينشر اليوم في الالكترونية تجده بعد يوم أو يومين في الورقية». أما أهم الصعوبات التي تواجه الصحف الالكترونية حالياً، فهي - بحسب الورقي - «عدم وجود تراخيص رسمية وبطاقات صحافة أو إثبات للصحافيين المنتسبين للصحف الالكترونية، ما يحد من إظهار هذه الصحف في الشكل المطلوب».