تعديل بعض نظام المطبوعات والنشر الذي صدر مؤخراً في الأمر الملكي الكريم بتوقيع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - نصّ على أن النقد البناء ليس منه النقد أو التجريح للأشخاص، وإنما النقد الفاعل هو النقد الموضوعي الذي يقوم على مسوغات وحقائق تؤكد صحة ما فيه، ، ذلك الذي يهدف إلى خير المصلحة العامة، إذ إن المساس بسمعة أي إنسان أو التعرض لذات الأشخاص أو الحكم على نواياهم ليس من القيم الإسلامية في شيء. فما أحرى بكتّاب وأصحاب الرأي العام أن يعوا هذا الأمر، وأن يراعوا أوامر الله، وأن تكون عندهم ضوابط أدبية حين يتناولون الأمور والحديث عن الشؤون العامة. إن المفترض على الإعلام - من خلال أصحاب الرأي الذين يتناولون القضايا والموضوعات الوطنية - بحكم أنهم العيون الواعية، والنفوس الغيورة - أن يبينوا الانجازات الايجابية لكل مصلحة حكومية، ويحضوا على المزيد منها، ويكشفوا عن السلبيات - بدلائل على ذلك - إن وجدت، وينبهوا إلى خطورتها وضرورة تلافيها وليت هذا يكون سائداً في كل تعاملاتنا المطبوعة والمسموعة، وخاصة خطب المساجد والندوات والمحاضرات. وحين يكون النقد أو الرأي مجرداً من الذاتية منصباً على الموضوعية المحددة المؤيدة فإنه يجب على من يوجه إليهم هذا الأمر أن يولوه ما يستحقه من العناية والدراسة. ** ** ** وكذا كان موقف صاحب السمو الملكي أميرنا سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي نبع من واسع خبرته، وطائل تجربته، وقوة استشعاره بالمسؤولية حيث قال في أكثر من مناسبة (إن ما يطرح من أفكار ورؤى وملاحظات على الملأ في مختلف وسائل الإعلام يوجب على من توجه لهم من القائمين على المؤسسات والمصالح الحكومية أن يعطوها ما تستحق من العناية، فإن كان في الرأي المنشور أو الحديث الناقد عن ممارسات واقعة وجاهة فيعمل على الأخذ به وتفعيله، وإن كان الرأي أو الحديث الناقد عن ممارسات لم تقع مجانباً للصواب فيُرد عليه، ويفند ما فيه من الأخطاء). هذه المقدمة أوردتها لأبين أن التطوير المستمر الذي ننشده لمؤسساتنا العامة لن يتحقق إلا بتفاعل القائمين عليها مع الأفكار ذات العلاقة بالمؤسسة التي يطرحها الناس؛ ولأني أتابع - بشغف - العمل الدؤوب في سائر المصالح الحكومية سعياً لتحقيق الغاية المنشودة لكل واحدة منها فإنني - في المقابل - أرى قلة الحرص من تلك المصالح على الالتفات لما عند الآخرين من آراء، ولن أحتاج إلى إعطاء أدلة على ذلك فهي ملء السمع والبصر. ** ** ** وأظهرُ الأمثلة أمامنا على أهمية التفاعل مع ما يطرح في وسائل الإعلام مبادرة وزارة التربية والتعليم منذ أكثر من عقد من الزمن التي أنشأت «إدارة عامة للإعلام التربوي» وحددت أهدافها حين إنشائها في الآتي: 1- تعزيز القيم التي يتلقاها الطلاب في النهار في مدارسهم، من خلال برامج إعلامية تتفق وهذه القيم، سواء أكانت الوسيلة الإعلامية مرئية، أم مسموعة، أم مقروءة، وكان الشعار في ذلك «لنتلافى أن ينقض الإعلام في المساء ما يتلقاه أبناؤنا في الصباح»، وفي هذا يقول المثل الشائع (نفتل في الصباح وينقض غيرنا ما فتلناه في المساء). 2- توظيف الوسائل الإعلامية المتنوعة لنشر الفكر التربوي، وشرح المشروعات الحديثة، أو الأنظمة الجديدة وغاياتها، والنتائج المرجوة منها بغية تلقي رؤى المهتمين بشأنها. 3- الاستفادة من الوسائل الإعلامية وما ينشر فيها من أفكار ورؤى تؤدي إلى تطوير مشروع تربوي، أو تصحيح ممارسة تعليمية يتبين عدم مناسبتها. 4- وأخيراً يكون الإعلام منبراً من خلاله تتبين للعاملين في الوزارة مَواطن الجودة في أدائهم فيعززونها، ومواطن الضعف - إن وجدت - فيعملون على الخلاص منها. ** ** ** ولقد حذت الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى - في ذلك الوقت - حذو الوزارة بإنشاء هذه الإدارة العامة؛ وذلك بأن أنشأت إدارات عامة للإعلام؛ وألحقت بالاسم تخصصها. وكانت هذه بادرة طيبة من كل مصلحة حكومية ترغب في توطيد العلاقة بينها وبين الناس، وتوضيح جهودها لهم؛ وإبراز ما يتحقق في مجالات عملها، وتلقي أفكار الآخرين حول أدائها، والإفادة من هذه الآراء والأفكار المقدمة. ** ** ** إن الأمل من إنشاء هذه الإدارة الإعلامية لكل وزارة أو مصلحة حكومية أن تكون صورة حية صادقة شفافة للأعمال التي تقدمها وزاراتنا وكافة المصالح الحكومية دون تفخيم أو تهويل، ودون أن تكون للإعلام الدعائي الشخصي، وكذلك يجب ألا تسوغ ما قد يكون من تقصير في عمل ما بأنه هو الصواب المطلوب. ** ** ** وفي المقابل فإن كُتاب الرأي العام عليهم مسؤولية كبيرة، وأمانة جليلة في أن يلتزموا بالحق الذي لا زيادة عليه، وأن يبدوا آراءهم نزيهة خالصة من كل ذاتية، مجردة من كل توجهات غير موضوعية، بعد التأكيد من ثبات وصحة حدودية ما يتناولون. كما أنه من واجب الأمانة الفكرية أن يتقصى من يكتب عن شيء كل ما يتصل به من حقائق، وألا يعمم الجزء على الكل؛ فتحديد الرأي ومسوغاته وصدق دلائله من أهم ما يجب الأخذ به حتى يكون هناك مجال لتنفيذ ما جاء فيه. ** ** ** إن المفترض على الإعلام - من خلال أصحاب الرأي الذين يتناولون القضايا والموضوعات الوطنية - بحكم أنهم العيون الواعية، والنفوس الغيورة - أن يبينوا الانجازات الايجابية لكل مصلحة حكومية، ويحضوا على المزيد منها، ويكشفوا عن السلبيات - بدلائل على ذلك - إن وجدت، وينبهوا إلى خطورتها وضرورة تلافيها، وعلى المصالح الحكومية أن تطلع على كل ذلك، ولا يجوز للقائمين عليها أن تضيق صدورهم بالتنبيه الوارد في وسائل الإعلام من سلبيات ومعوقات؛ بل يجب أن يرحبوا بذلك، كما تنشرح صدورهم عندما تكون هناك إشادة بصواب يحالف أعمالهم. ** ** ** إنه من المعلوم أن الانتقاد وحده لا يصحح الأمر المطلوب تصحيحه، كما أن إظهار النقص لا يقود إلى الكمال أو قريباً منه إلا إذا اقترن بذلك بإشارة هادية توضح الكمال، وتعين على الوصول إليه، أو القرب منه. وبقدر ما يكون أصحاب الرأي عادلين في الثناء والإطراء فيجب ألا يغالوا أو يزايدوا في عرض ما قد يبدو لهم أنه نقص. وبقدر ما يكونون منصفين في التنبيه إلى الخطأ - إن وجد - فإنهم بذلك متحملون لمسؤولياتهم أمام الله، وأمام الناس، وهم إن فعلوا ذلك حازوا على المصداقية والتقدير من الناس عامة، وأصحاب الموضوعات المتناولة خاصة. ** ** ** وكما أن الصواب في الرأي والحكم على الأشياء يقع فإن الخطأ من أصحاب الرأي والحكم على الأشياء غير مستبعد؛ إذ لا عصمة لإنسان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعقل والحكمة يقتضيان ألا يضيق المسؤولون بانتقاد أخطائهم، بل إنهم بذلك يسعدون، ولذلك قال قائلهم (رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي). ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.