اطلعت على دراسة لطيفة حديثة في موضوعها للشيخ صلاح بن خميس الغامدي القاضي بوزارة العدل عن مسألة إجبار الجار الملاصق للمسجد على بيع ما يوسع به المسجد .. صورة المسألة التي ذكرها الشيخ صلاح في حالة ما لو كان هناك جار ملاصق للمسجد .. وقد ضاق هذا المسجد على المصلين .. واحتاجوا إلى توسعته .. وليس لذلك سبيل إلا عن طريق ملك هذا الجار .. وقد رفض الجار بيع هذا المنزل لتوسعة المسجد .. ففي هذه الحالة ما حكم إجبار صاحب المنزل على بيع منزله ؟ .. وإذا رفض ذلك فهل للحاكم الشرعي أن يصدر حكماً بإجباره على بيع ملكه ؟! الدراسة بدأها الباحث باتفاق الفقهاء على أن العقار إذا احتيج له للمصلحة العامة .. أياً كانت سواء لتوسعة مسجد أو طريق أو غيره .. فإن صاحبه يجبر على بيعه .. وهو من باب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية .. حيث نص الأحناف على :» أنه إذا كان الطريق ضيقاً ، والمسجد متسع لا يحتاجون إلى بعضه ، فتجوز الزيادة في الطريق من المسجد .. لأن كلاً منهما مصلحة عامة». كما نص الفقهاء من المالكية على أنه إذا كان الموقوف عقاراً كالأرض والدار .. فإن كانت له غلة فلا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا للضرورة كتوسيع مسجد أو طريق عام ؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما وجدت الحاجة إلى توسيعه أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره .. ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد الموجودين في ذلك الوقت ، فكان هذا العمل بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه للحاجة .. وفي نفس المعنى إذا ضاق المسجد بأهله ، واحتاج إلى توسعةٍ ، وبجانبهِ عقارٌ حبسٌ أو ملكٌ ، فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد ، وإن أبى صاحبه أو أصحاب الملك عن بيع ذلك فالمشهور أنهم يجبرون على هذا. هذه المسألة بالطبع كما يشير الباحث ليست جديدة على الفقه بدليل: - ما جاء في قصة بروك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : « هذا المنزل إن شاء الله ، ثم دعا صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً .. وقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم « الحديث. - وكذلك نص الإجماع على جواز ذلك حيث لما وجدت الحاجة إلى توسيع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره ، ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد ، فكان هذا بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه عند الحاجة. - أنه يحقق مصلحةً عامة ويقدمها على المصلحة الفردية .. وهذا مطلوب في الشريعة .. كما أن القاعدة الشريعة تنص على أن تصرف الإمام على رعيته منوط بالمصلحة. الجميل في الدراسة المصغّرة برأيي جانبان .. هما وسائل نزاع الملكية في هذه الصورة .. والتي سردها كالتالي : 1. صدور قرار من ولي الأمر يقضي بنزع ملكية هذه الأرض المطلوبة ، ويتمثل ذلك في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بروك البعير وقوله : « هذا المنزل إن شاء الله « ، ثم قال : « ثامنوني بحائطكم « الحديث. 2. المساومة على الثمن الذي سيدفع عوضاً عن هذه الأرض ، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق. 3. صدور حكم بإجبار المالك على البيع في حالة رفضه لذلك ، فينظر في ذلك القاضي بعد اقتضاء المصلحة نزعه. بالإضافة إلى ربط هذه المسألة بالقانون .. حيث ذكر الباحث ضوابط لا بد من مراعاتها في هذه المسألة قبل نزع الملكية .. وهي كون هذه الملكية الخاصة في حال نزعها .. محققة للمصلحة العامة .. كما أنه لا بد أن يكون التعويض عادلاً ومرضياً لأصحاب الشأن مع الأخذ في الاعتبار ألا يكون هناك طمعٌ أو جشعٌ من أصحاب الملكيات الخاصة .. وذلك كله في ضوء نظام (نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة) كما في المادة السابعة منه والتي تحدثت عن تشكيل لجنة لتقدير ذلك والتي نصت المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة على طريقة عملها. الدراسة التي أجاد فيها الشيخ / صلاح الغامدي رغم صغرها .. تختلف كثيراً عن الدراسات الأكاديمية التي يقف فيها الباحث جامداً أمام رحابة النص الشرعي دونما إعمال للواقع أو ربط بالقانون اقتراحاً أو إشارة..! * قانوني