قام الشيخ محمد بن عبدالله الدوسري بمراجعة وإعادة نسخ رسالة علمية قيمة تتناول توسعة المسعى كتبها المحدث الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله عام 1386ه وعنونها ب"رسالة في توسعة المسعى بين الصفاة والمروة" ولأهمية ما تناولته هذه الرسالة وإشارته إلى عدد من الخلفاء الذين سبق أن قاموا بتوسعة المسعى ولم يعترض عليهم.. وكان من ضمنهم الخليفة العباسي المهدي حيث نفذ توسعة للحرم المكي الشريف تضمنت توسعة للمسعى ولم ينكر عليه علماء ذلك الزمان الذين كان منهم الإمام مالك والإمام أبو يوسف رحمهما الله.. فإن "الرياض" تقوم بنشر هذه الرسالة القيّمة والفريدة في بابها خاصة وأن الشيخ المعلمي رحمه الله كتبها قبل التوسعة الجديدة للمسعى بأكثر من أربعين سنة. قال الله تبارك وتعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) البقرة 158.الصفا والمروة معروفان، نصت الآية على أنهما شعيرتان من شعائر الله، والعبادة المتعلقة بهما هي التطوف بهما، وبينته السنة بما هو معروف. قام النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة على موضع مخصوص من الصفا لا تعرف عينه الآن، ثم سعى إلى المروة فقام على موضع مخصوص منها كذلك، ثم عاد في الشوط الثاني إلى الصفا (ثم) المروة، وهكذا سبعا.. قد يكون قام ثانياً وثالثاً ورابعاً على الموضع الأول من كل منهما، أو على ما يقرب منه. ثم أقيم بعد ذلك حاجز حصر الموضع الذي يقام عليه من كل منهما في مقدار معين، وكان ذلك المقدار يتسع للناس فيما مضى، وأصبح الآن يضيق بهم، فهل يمتنع توسيعه وقوفاً على عمل من مضى، وإن ضاق وضاق؟ أم ينبغي توسيعه لأن نص الكتاب ورد على الصفا والمروة، وهما أوسع من ذاك المقدار. وحصر من مضى لذاك المقدار قد يكون لمزاحمة الأبنية، وكفاية ذاك المقدار للناس إذ ذاك..، فلم تدع الحاجة حينئذ لتوسعته بهدم الدور؟.. وهكذا يأتي في المسعى - أي الطريق الذي يقع فيه السعي - فإنه واقع بين الأبنية من الجانبين، يتسع تارةويضيق أخرى، وذاك يدل على أنه لم يحدد.. ولم يجيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ومن بعدهم: بيان لتحديد عرض المسعى إلا ما ذكره الأزرقي في زمانه أنه ذرع ما بين العلمين الأخضرين الذين يليان المروة فوجد ذلك خمسة وثلاثين ذراعاً ونصف ذراع. وهذا المقدار لا يستمر في بقية المسعى، ويظهر كما سيأتي عن الأزرقي ان موضع هذه الأعلام ليس من المسعى الأصلي، وإنما هو مما حوله المهدي العباسي إليه. وعدم مجيء شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحديد عرض المسعى يشعر بأن تحديده غير مقصود شرعاً، وإلا لكان لتعرضه لمزاحمة الأبنية أولى بالتحديد من عرفات ومزدلفة ومنى، وقد ورد في تحديدها ما ورد. فهل يبقى المسعى كما هو، وقد ضاق بالساعين وأضر بهم، أم ينبغي توسعته، لأن المقصود هو السعي بين الصفا والمروة، وهو حاصل في المقدار الذي يوسع به هذا الشارع كما هو حاصل في هذا الشارع نفسه؟ والله تبارك وتعالى عالم الغيب والشهادة لا يكلف خلقه بعبادة إلا ويسرها لهم، أو يرخص لمن شق عليه شيء منها أن يدع ما شق عليه، وقد أصبح المسعى يضيق بالمسلمين في أيام الموسم، ويشق عليهم، ولاسيما على النساء والضعفاء والمرضى، بل يلقى فيه الأقوياء شدة. وسيزداد الحجاج - إن شاء الله - كثرة سنة بعد سنة. (ذكر) في النهاية لمحمد الرملي الشافعي ج 2ص 416"لم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى، وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر، كما نص عليه الشافعي". وقال النووي في شرح المهذب ج 8ص 76"قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه، لأن السعي مختص بمكان، فلا يجوز فعله في غيره كالطواف.. قال الشافعي في القديم: فإن التوى شيئاً يسيراً أجزأه، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز.. وكذا قال الدارمي ان التوى في السعي يسيراً أجزاه، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا والله اعلم".. قوله "لا يجوز السعي في غير موضع السعي".. يتبادر منه المكان المحدد، ويحتمل أن يراد المكان المعد للسعي فيشمل ما زاد على المسعى القديم توسعة له.. وقوله "كالطواف" يعني المعنى الثاني، فإن المكان الذي يختص به الطواف لا يقتصر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.. فقد كان المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الموضع المعروف الآن بالمطاف، وكان الطواف لا يجوز خارجه، ثم وسع المسجد مرة بعد أخرى.. واتفق أهل العلم على أن ما زيد في المسجد فصار منه صح الطواف فيه.. وإذا صح هذا في المطاف مع مشاركة الاعتكاف والصلاة وغير ذلك للطواف في الأحكام، إذ تثبت تلك الأحكام كلها للزيادة ثبوتها للأصل في المسعى أولى..والأصل في هذا قوله الله تبارك وتعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) البقرة 125.التطهير: يشمل التطهير من الأرجاس المعنوية والحسية. والطواف والعكوف والصلاة موضعها حول البيت، فما حول البيت داخل في الأمر بالتطهير. فأمر الله تعالى تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين، وكما يوجب تطهير الموضع لهؤلاء يقتضي أن يكون الموضع بحيث يسعهم، ولا تقتضي الحكمة أن يوسع الموضع من أول مرة إلى الغاية التي يعلم أنه لن يضيق بالناس مهما كثروا إلى يوم القيامة، وإنما تقتضي أن يكون أولا بحيث يكفي الناس في ذاك العصر. ومع ذلك فلا ريب أن الناس إذا كثروا بعد ذلك ولم يسعهم الموضع وجب توسعته بدلالة الآية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمته من بعده مخاطبون بما خوطب به إبراهيم واسماعيل عليهما السلام من تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين - أي بالقدر الذي يكفيهم كما مر -. وبهذا جرى عمل الأمة، فقد وسع المسجد في عهد عمر، ثم في عهد عثمان، ثم في عهد ابن الزبير رضي الله عنهم، ثم بعد ذلك أكرم الله إمام المسلمين صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز أيده الله لهذه التوسعة العظيمة، ولعلها مهما عظمت لا تكون آخر توسعة. وهذه التوسعات كلها عمل بالآية، وتوسعة المسجد هي نفسها توسعة للمطاف، لاتفاق العلماء على صحة الطواف فيما يزاد في المسجد، غير أن منهم من شرط أن لا يحول بين الطائف والكعبة بناء، ولهذا ولأن ما وراء الموضع المعروف بالمطاف الآن غير مهيأ للطواف، ويكون فيه المصلون والجالسون والمشاة وغيرهم فيشق الطواف فيه لما ذكر...، اقتصر الناس على الموضع المعروف بالمطاف، وأصبح يضيق بهم جداً أيام الموسم، فدعت الحاجة إلى توسعته. وبلغني أن التوقف عن ذلك منشؤه التوقف عن تأخير مقام إبراهيم، والبحث في مقام إبراهيم يطول، غير أنه يمكن اختصاره بأن توسعة المطاف واجبة قطعا عند تحقق الضيق كما اقتضته الآية، والأمر بتطهير الموضع للطائفين وغيرهم يستلزم الأمر بتهيئته لهم، وإبقاء مقام إبراهيم في مكانه ينافي ذلك، وليس على إبقائه حجة تترجح على هذه الحجة أو تكافئها. والمقام هو: الحجر المعروف، وأصله كما في صحيح البخاري في ذكر إبراهيم من أحاديث الأنبياء عن ابن عباس أن ابراهيم عليه السلام كان يقوم عليه وهو يبني الكعبة عندما ارتفع البناء، وعلى هذا فموضعه في الأصل عند جدار البيت. وأكثر الروايات وأثبتها أن عمر هو الذي أخره إلى موضعه الآن، وقيل: أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: جاء الإسلام وهو في محله الآن، وأياً ما كان فإنما أخر لئلا يضيّق هو والمصلون خلفه على الطائفين، كما نبه عليه ابن حجر في الفتح ج 8ص 129.فهذا المعنى هو الموجب لتأخيره، وفي تأخيره لهذا المعنى الشهادة لهذا المعنى بأنه موجب لتأخير المقام. فإن كان أخر قبل الإسلام فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخره فالأمر واضح، وإن كان عمر هو الذي أخره فإنما عمل بدلالة القرآن كما مر، وكأن الضيق إنما تحقق في عهده حين كثر المسلمون، ومع دلالة القرآن عمل الخليفة الراشد، وإجماع الصحابة فمن بعدهم، ودلالة القرآن مستغنية بنفسها. وهذا المعنى الذي اقتضى تأخيره إذ ذاك قائم الآن، فاقتضاؤه للتأخير الآن بغاية الوضوح. فأما ما روي أن السيل احتمله في عهد عمر، فتحرى عمر إعادته في مكانه، فكأن عمر لما أخره قبل ذلك تحرى أن يبقى مع تأخيره مسامتا للموضع الذي كان يليه من جدار الكعبة، لا يميل عنه يمنة أو يسرة، لأن المعنى المذكور إنما أوجبه التأخير فاقتضى عليه، فلما احتمله السيل بعد ذلك تحرى عمر إعادته إلى مكانه لأجل المسامتة. وعلى القول بأنه أخر قبل عمر فتحريته إعادته إلى مكانه قد تكون لما ذكر، وقد تكون لأنه لم يكن (هناك) داع لتحويله، لأنه لم يكن قد حصل التضييق. وعلى ما ذكر فإذا أخر الآن فينبغي أن لا يخرج به عن مسامتة الموضع الذي يسامته الآن من الكعبة، لا يميل عنه يمنة ولا يسرة. وقد يمكن الجمع بين تهيئة المطاف والمحافظة على موضع المقام في الجملة، بأن يهدم البناء ويعلم موضع المقام بعلامة ثابتة، ثم يوضع في صندوق ثقيل وتجعل له ظلة خفيفة على عجل، ففي أيام الموسم يؤخر الصندوق بالظلة إلى حيث تدعو الحاجة - مع المحافظة على السمت -، ثم عند زوال الموجب يعاد إلى موضعه الآن. وكالحكم في المطاف الحكم في المسعى، أمر الله عز وجل بالسعي بين الصفا والمروة يوجب تهيئة موضع يسعى الناس فيه يكون بحيث يكفيهم، فإذا اقتصر من مضى على موضع يكفي الناس في عصرهم، ثم ضاق بالناس فصار لا يكفيهم وجبت توسعته بحيث يكفيهم، وإذا وسع الآن بحيث يكفي الناس فقد يجيء زمان يقتضي توسعته أيضا. هذا وقد جرى تغيير للمسعى في بعض جهاته في زمن المهدي العباسي، ففي تاريخ الأزرقي ج 2ص 59- 60في زيارة المهدي سنة 160فما بعدها "ودخلت أيضا دار خيرة بنت سباع الخزاعية، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى". وفيه ص 63في ذكر زيارة المهدي الثانية "وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم". وفيه ص 64"واشتروا الدور وهدموها، وهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائدي، وجعلوا المسعى والوادي فيها..". ويشهد لهذا انحراف المسعى في ذاك الموضع، وكأنه كان قبل ذلك على خط مستقيم بين الصفا والمروة، أو أدنى إلى الاستقامة. وذكر القطبي في تاريخه ص 47من الطبعة الأولى هذا التحويل ثم قال "وهنا إشكال لم أر من تعرض له وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله علينا في ذلك المحل المخصوص، ولا يجوز لنا العدول عنه، ولا تعتبر تلك العبادة إلا في ذلك المكان المخصوص الذي سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وعلى ما ذكره هؤلاء الثقات ادخل ذلك المسعى في الحرم الشريف، وحول المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم، وأما المكان الذي يسعى فيه الآن فلا يتحقق إنه بعض من المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره، فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات؟ ولعل الجواب عن ذلك أن المسعى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عريضاً، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم، فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد الحرام، وترك بعضها للسعي فيه، ولم تحول تحويلاً كلياً وإلا لأنكره علماء الدين من العلماء المجتهدين - رضي الله عنهم أجمعين - مع توفرهم إذ ذاك، فكان الإمامان أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والإمام مالك موجودين يومئذ، وقد أقروا ذلك وسكتوا، وكذلك من صار بعد ذلك الوقت في رتبة الاجتهاد كالإمام الشافعي وأحمد بن حنبل، وبقية المجتهدين فكان إجماعا.. وبقي الإشكال في جواز إدخال شيء من المسعى في المسجد، وكيف يصبر ذلك مسجدا، وكيف حال الاعتكاف فيه؟ وحله بأن يجعل حكم المسعى حكم الطريق فيصير مسجدا ويصح الاعتكاف فيه، حيث لم يضر بمن يسعى، فاعلم ذلك، وهذا مما انفردت ببيانه ولله الحمد". أقول: أما أول كلامه فيكفي في الجواب عنه الاعتبار بالمطاف، للاتفاق على صحة الطواف فيما زيد في المسجد في غير الموضع الذي طاف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كان في عهده لا يجوز الطواف إلا فيه. أما حدسه أن المسعى كان عريضا فبنيت فيه الدور، فيخدش فيه أن المسعى لو كان محددا لبعد أن يجترئ الناس على البناء فيه، وأمرهم العلماء والأمراء حين يشتري المهدي منهم تلك الدور بأغلى الأثمان. ثم على فرض صحة هذا الحدس فلم يجعل المسعى أولاً عريضاً إلا لترقب أن يكثر الناس فلا يسعهم ما دونه، وعلى هذا فقد كان يجب أن ينكر أهل العلم فعل المهدي قائلين: إن هذا الذي أبقيت وإن كان يكفي الناس الآن: فقد يكثرون فيما بعد ويضيق بهم، ولا يمكن أن يرد إليه هذا الذي تريد إدخاله في المسجد كما يمكن هدم الدور، لأنه لا يمكن إزالة حكم المسجد، ولا جعله مسجداً ومسعى معا، لأن كلا منهما يختص بحكم، فالحائض ليس لها أن تلبث في المسجد، ولها اللبث في المسعى، فلو طافت المرأة للإفاضة طاهرة وبقي عليها السعي فحاضت عقب الطواف: أمكنها أن تسعى في المسعى وتتم نسكها وتسافر، ولا يمكنها ذلك في المسجد الى غير ذلك من الأحكام. فلو صح حدس القطبي لدل إقرار أهل العلم له على أنهم يرون جواز توسعة المسعى من الجانب الآخر، فيرون أنه إذا ضاق ما أبقاه المهدي من المسعى بالناس أمكن توسعة المسعى من الجهة الأخرى. فهذا أيضاً يدل على جواز التوسعة كما ترى. وقد يقال - بناء على حدس القطبي - لعل أهل العلم إذ ذاك علموا أن المسعى في الأصل: هو جميع ما بين الصفا والمروة، وانه لا يمتنع البناء فيما زاد على الحاجة، فإذا زادت الحاجة هدم من الأبنية ما توفى به الحاجة، وعلى كل حال لابد من التوسعة عند الحاجة. هذا وان الله - تبارك وتعالى - وضع البيت ولم يكن فيما حوله حق لأحد، ثم جعل له حمى واسعا وهو (الحرم) الذي لا يحل صيده ولا تعضد شجره، فهذا الحرم كله من اختصاص البيت، تقام فيه مصالحه غير أنه أذن للناس أن يضعوا أيديهم على ما زاد عن مصالح البيت وينتفعوا به، على أن مصالح البيت (لو احتاجت) يوما ما إلى شيء مما بأيدي الناس من الحرم أخذ منهم، ووفيت به مصالح البيت. وإلى هذا يشير قول عمر للذين نازعوا في بيع دورهم لتوسعة المسجد، قال "إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم".. تاريخ الأزرقي ج 2ص 55.فما حول الكعبة هو من اختصاصها، ليجعل منه مسجداً يطاف فيه، ويعتكف ويصلى. فإذا جعل بعضه مسجداً صار مسجداً، وبقي الباقي صالحاً لأن يزاد في المسجد عند الحاجة، فما زيد فيه صار منه. وما بين الصفا والمروة من اختصاصهما، ليجعل منه مسعى يسعى فيه بينهما، فإذا جعل بعضهم مسعى صار مسعى يصح السعي فيه، وبقي الباقي صالحاً لأن يزاد في المسعى عند الحاجة فما زيد فيه صار منه. والكعبة هي الشعيرة في الأصل شرع الطواف بها والعكوف عندها والصلاة، وهذه الأمور لابد لها من موضع فهو ما حولها. فالموضع كالوسيلة ليكون فيه الطواف بالكعبة وغيره.. وهكذا الصفا والمروة هما الشعيرتان بنص القرآن، فأما ما بينهما فهو بمنزلة الوسيلة ليسعى فيه بينهما، والوسائل تحتمل أن يزاد فيها بحسب ما هي وسيلة له، كطواف الطائفين، وسعي الساعين، ولا تجب أن تحدد تحديد المشاعر نفسها..