تعتبر الساحة الرياضية بالنسبة للعاملين في المجال الإعلامي هي الأكثر انفتاحا وتسامحا وتطورا طالما أن القبول بمبدأ الفوز والهزيمة لا يشوبه أي شك يولد العداء. لذلك تطورت ساحتنا الرياضية خلال العقود الماضية لأن مناوشات الشك لم ترتق إلى ما هو ابعد من حديث الشك فقط. أما الساحة الرياضية الآن - وأعترف أنني لست من المتابعين الدقيقين لها - فقد شهدت تحولات قد تؤدي إلى ما هو ابعد من تدمير تلك النجاحات وتحويلها إلى شرخ في نسيج المجتمع. طبعا ليست كل تلك التحولات سلبية بالمطلق و ةلكن هناك على الضفة الأخرى جوانب ايجابية يجب الاعتراف بها. وما يهم هنا هو بروز ثقافات فرعية ضمن ثقافة الساحة الرياضية ومنها ثقافة الاستقطاب وثقافة الاستعداء. وسأتناول شق الاستعداء أولا لأنه دلالة على المرض الذي بدأ يتسلل إلى جسد هذه الساحة مثل تسلل مرض ضغط الدم الذي يطلق عليه "القاتل الصامت". والاستعداء ببساطة يتم عبر استدراج أطراف خارج الساحة لحل نزاع او خلاف يمكن حله بسهولة من الداخل. في السابق كانت الساحة تتكون من الأندية ولاعبيها وإدارييها والمؤسسة التنظيمية والجماهير ومؤسسة الإعلام المساندة لها. ولكن ثقافة الاستعداء والتعصب استدرجت على مراحل أطرافا اخرى لم تكن تلك الساحة ملعبا لها إلا في حالات استثنائية. ومن ابرز ما أثير في الأسابيع الماضية موضوع اللاعب الأجنبي من غير المسلمين وما يمارسه من ثقافة مرتبطة بدينه ومحاولة البعض استدراج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخوض في هذا الشأن. ومن حسن الحظ أن الهيئة نأت بنفسها كثيرا عن مثل هذا الاستدراج , ولكنها لم تغب عن الساحة الرياضية من جوانبها الأخلاقية. ومثل هذا الاستعداء يقود إلى ظاهرة الاستقواء بالمحامين أو تقزيم المحلي والاستعلاء بالأجنبي كما هي الحال مع استقدام الحكام الأجانب . وفي ظواهر صوتية وبصرية مساندة لظاهرة الاستعداء نجد أن ساحات الإعلام الجديد بدأت تعج بمقاطع التعصب وخلق الكراهية وعدم قبول الآخر بالفوز أو الهزيمة. فاليوتيوب والتويتر وشقيقهما الفيس بوك وبقية ساحات الإعلام الجديد أصبحت ساحة واسعة في استيعاب كل غث، وضيقة عن استيعاب كل تسامح. أما في المدرجات فحدث ولا حرج ففي بقعة بواقع مترين في مترين ظهرت رؤوس المشجعين وهي تحمل أكثر من 4 مكبرات للصوت لتنقل للمسامع أهازيج التشجيع. وهذا الكم من المكبرات إن استمرت الحال بهذا التوجه سنسمع الأصوات المتعصبة والنشاز منها قريبا. هذه المؤشرات تؤكد المنزلق الذي باتت على مشارفه ساحتنا الرياضية , ولهذا لن أنزلق معه وأنسى استعراض بعض ثقافة الاستقطاب وما خفي منها. فابرز ملامح الاستقطاب هو الاستقطاب التجاري لرعاية الفعاليات والمباريات وأحيانا النجوم. وهذا الاستقطاب زاد من الدخل المادي والرقي الخدمي المقدم للاعبين والجمهور معا.ولكن يغيب عنا انزلاق البعض وراء المال على حساب الصحة كما هو الحاصل عند ترويج مشروبات الطاقة لجيل مُلئ بها ولا يستهلك ما لديه منها فتكون النتيجة أمراضا وسلوكيات عكسية .وهناك وجه آخر يتمثل في الاحتراف والانتقال بين الأندية , ولكن عندما نستمع للمعلقين الرياضيين نسمع منهم بداية التصنيف حسب الجنسية , وعندما يخطئ هذا اللاعب ينتقل التعميم أيضا على جنسيته وربما على اسمه ولونه . ففي الاحتراف ثقافة انفتاح وتعايش وفي المقابل نعزز ثقافة التعصب والقطيعة . المشكلة أن هذا الشق المرضي أصاب حتى اللاعبين المحليين المنتقلين بين المناطق أو الأندية المتنافسة . قد تبدو المشكلة بسيطة في نظر البعض ولكنها شق وشرخ ثقافي سيتسع على كل راتق امني او تربوي او حتى رياضي مستقبلاً ولكن المبادرة بالخير إدراك لفرص النجاح والرقي.