يقفز على الحقيقة من لا يعترف بأن الرياضة السعودية مرت بجمود في السنوات الأخيرة، لا على مستوى الانجازات وحسب، بل على أصعدة عدة، فكثير من الملفات كانت معطلة أو مكبلة، ولولا خضوع رياضتنا للمتغيرات الدولية لتخفلنا أكثر، ويكفيني أن أذكر هنا التمنع السعودي الذي حدث في بداية حراك الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لإقرار دوري المحترفين الآسيوي. ففي وقت كان ابن همام يتحدث عن خمسة أشهر لإحداث التغيير، كان الحديث لدينا عن الحاجة لخمس سنوات، وبالفعل حدث في غضون شهور معدودة ما لم يحدث في سنوات، ولولا فروض الطاعة القسرية التي قدمناها للاتحاد الآسيوي لما شاهدنا حتى المقاعد البلاستيكية في مدرجات ملاعبنا. أستطيع الآن أن أعدد ملفات كثيرة دفعت برياضتنا للوراء، كغياب الميزانيات عن الأندية، وتعطيل الجمعيات العمومية فيها، وما نتج من تغييب للآليات الديموقراطية فيها، وتجميد التحديث في البنى التحتية، وتغييب الكوادر الكفوءة عن المناصب العليا في اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية، وانحسار الحضور السعودي الفاعل في الاتحادات الدولية، وتمييع قضية خصخصة الأندية، فضلاً عن انتفاء تطبيق آليات الاحتراف الحقيقي في أندية الدرجتين الممتازة والأولى التي تخضع لأنظمة احتراف كرة القدم. في المقابل يجانب الحقيقة أيضاً من يغض الطرف عن مساعي الإصلاح الجارية الآن بتحريك قطار التطوير الذي بدا سريعاً من خلال وصوله لأكثر من محطة مهمة وفي غضون مدة وجيزة، كفرض الانتخابات في الأندية بدلاً عن التكليف، وتشكيل لجنة فعلية لا شكلية تعنى بخصخصة الأندية وسبل الاستثمار فيها، ودفع لجان اتحاد كرة القدم لمعاجلة العديد من القضايا الشائكة، بالإضافة إلى دعم للكوادر السعودية داخل الاتحاد الآسيوي التي فازت في الأيام الماضية بمقاعد غابت عن الجلوس عليها طويلاً، وأخيراً تعيين محمد المسحل رئيساً لإدارة منتخبات كرة القدم بما في هذا التعيين تحديداً من دلالات عميقة. هذه المتغيرات حدثت فقط في غضون ثلاثة أشهر، والسؤال البديهي كيف سيكون الحال إذا ما استمر القطار الذي يبدو أنه بلا فرامل في انطلاقته وبذات السرعة بعد ثلاثة أعوام. حتماً ستكون الأمور مختلفة تماماً؛ لكن يبقى الرهان على ذلك صعبا؛ خصوصاً وأن ثمة أوراقاً كثيرة داخل بعض الملفات تحتاج إلى معاجلة، وأحياناً إلى إلغاء تام من الملف برمته. ولست مبالغاً ولا متجنياً إن قلت إن أهم تلك الأوراق هي ورقة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ باعتماد الكفاءة والقدرة؛ بعيداً عن المحسوبيات، والمحاصصات، وأي اعتبارات أخرى لا تتعلق بالكفاءة كمعيار، سواء في رئاسة الاتحادات، أو اللجان، أو حتى في المناصب العليا داخل الرئاسة العام لرعاية الشباب، واللجنة الأولمبية. ليس سراً أيضاً القول إن أهم أسباب الفشل في بعض الاتحادات، وغياب الإنتاجية والفاعلية في بعض المناصب، وتخلفنا عن الركب الرياضي العالمي في غير اتجاه ومحفل يعود بالدرجة الأولى لوجود أشخاص غير كفوئين بشغل المناصب التي يتقلدونها، رغم السنوات الطوال التي عملوا فيها، والفرص التي منحت لهم، بيد أن ثمة حقيقة لا مناص منها وهي أن فاقد الشيء لا يعطيه، وبالتالي فإن الإبقاء عليهم، أو استنساخهم سيجعل القطار السريع يخرج عن سكته، وعندها قد نقول: "وكأنك يا بو زيد ما غزيت".