لم يكن استنكار الشعوب الإسلامية للتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي نابعاً من عاطفة دينية أو عرقية؛ لكن التصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين الإيرانيين شكّلت تهديداً قوياً لدول المنطقة، إذ وجهت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني عبر بيان أعلن فيه المجلس عن موقف إيراني عدائي وتدخل استفزازي في شؤون المملكة العربية السعودية وشؤون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، كما تناولت تلك التصريحات الحديث عن الطائفية في مملكة البحرين التي قسّمت شعب البحرين الواحد المتماسك الى فئتين سنية وشيعية، وهو تقسيم لم تعهده البحرين من قبل ولن تقبله الشعوب العربية والإسلامية. «الرياض» استطلعت آراء عدد من المتخصصين في الشئون الدولية والإسلامية للتعرف على موقفهم تجاه هذه التدخلات. رابطة العالم الإسلامي في البداية أوضح معالي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي «د. عبدالله التركي» أن الشعوب الإسلامية في أنحاء العالم عبّرت عن استنكارها للتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وعبّرت عن القلق الشديد بسبب تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين التي تثير الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطني مجلس التعاون لدول الخليج العربي؛ مما يعد انتهاكاً لسيادة هذه الدول التي تنعم شعوبها بالاستقرار والوئام وتعيش في أمن وسلام، معبراً عن إدانته لهذا التدخل والاتهامات الباطلة التي وجهتها لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني للمملكة، مشيراً إلى أن التدخل الإيراني يعد انتهاكاً صارخاً لمواثيق الأممالمتحدة. وقال: إن رابطة العالم الإسلامي تدين تدخل إيران في شؤون دولة الكويت، وذلك بزرعها شبكات التجسس على أرضها لتحقيق أهداف عدوانية تضر بالكويت وشعبها، وهي تدين كذلك تدخلاتها في شؤون دولة البحرين ومحاولات إثارة الفتنة الطائفية بين صفوف شعبها، ودعوتها إلى الفوضى، مؤكداً على أن هذا التدخل في شؤون دول الخليج العربي يسقط شعارات إيران الداعية إلى وحدة المسلمين. د. عبدالرحمن الزيد وأضاف «د. التركي» أن ردة فعل إيران المفتعلة بسبب دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين لا مبرر لها؛ لأن ذلك تم بناء على طلب البحرين، واستناداً إلى النظام الأساس لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، وإلى نصوص اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس. وأشار إلى أن سياسة إيران وتدخلها فيما لا يعنيها من شؤون الشعوب في دول الخليج استفزت المسلمين في أنحاء العلم الذين عبروا من خلال المراكز والجمعيات الإسلامية عن استنكارهم لما تفعله إيران، ولما تقوم به من تدخل في شؤون جيرانها. وقال إن قادة المؤسسات والمراكز والجمعيات والاتحادات الإسلامية وقيادات العمل الإسلامي في العالم وصفوا التدخل الإيراني بأنه مؤامرة على الأمن الوطني لهذه البلدان، ومحاولة لانتهاك أمنها وسيادتها واستقلالها، وتجاوز خطير لمبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية، وميثاق كل من منظمة المؤتمر الإسلامي وهيئة الأممالمتحدة، مطالباً إيران بالكف عن تدخلاتها في شؤون جيرانها، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، والمواثيق الدولية، ومبادئ الوحدة الإسلامية، مؤكدا على أن شعب الخليج وحدة متكاملة متراصة، وأن مواطني هذه البلدان ترفض أي تدخل في شؤونها وتلاحمها مع قياداتها. د. سعد الشهراني الخطر الإيراني من جانبه أوضح «د.عبدالرحمن بن عبدالله الزيد» -الأمين المساعد لرابطة العالم الاسلامي- أن إيران إحدى دول منظمة المؤتمر الاسلامي، ومن الواجب أن تلتزم بميثاق هذه المنظمة، وأن تتوافق مع مطالبها؛ لكنها وللأسف اختارت الطريق المضاد للتوجه الاسلامي الذي تمثله المنظمة، وغيرها من المنظمات الإسلامية وعلى رأسها رابطة العالم الاسلامي، حيث بدأت تمارس التدخل في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها بما يتعارض مع الاتفاقات والقوانين الاقليمية والدولية. وقال إن سياسة التدخل الإيراني في شؤون الدول الإسلامية عامة، ودول الخليج خاصة تؤدي الى خلخلة العلاقات الإسلامية - الإسلامية وهي تتعارض مع المبدأ الاسلامي في وحدة الأمة المسلمة التي وحد الاسلام بين افرادها وشعوبها، محذراً من خطورة ما يفعله الساسة الإيرانيون، حيث يحشرون أنفسهم فيما لا يعنيهم وليس من تخصصهم. وأضاف أن التدخلات الإيرانية أساءت إلى الإسلام أمام العالم؛ لأن إيران التي ترفع شعارات الوحدة الإسلامية أساءت إلى وحدة شعوب الأمة، وحاولت أن توقع شعب البحرين في مقتل في الوقت الذي تحتاج فيه شعوب الأمة إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله المتين وبكتابه العظيم (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وهكذا تخالف إيران نصوص القرآن الكريم، مشيراً إلى أن تدخلات إيران في شؤون شعوب المنطقة تنهج نهجاً طائفياً يثير الفتن وهدفاً من بث الفتنة إثارة النزاع بين أبناء الوطن الواحد، وهذا يؤدي إلى فرقة الأمة وضعفها وهو مانهى عنه الله سبحانه وتعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). وأضاف أن العقلاء من أبناء المذهب الشيعي في البحرين رفضوا الانسياق إلى الرغبة الإيرانية، ومدوا أياديهم للتعاون مع قادتهم في البحرين، من خلال مبادرة ولي عهدها للحوار بين فئات المجتمع؛ مما سهل عودة الهدوء والأمن في البحرين. وأشار إلى أن من أبرز الأدلة على فشل التدخل الإيراني في شؤون البحرين وشؤون مجلس التعاون لدول الخليج العربية موقف (التحالف الديمقراطي) الذي يضم ثلاث جمعيات بحرينية معظم أعضائها من الشيعة، حيث أصدر هذا التحالف بياناً رد فيه على بيانات إيران، ورفض تدخلها في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكداً على أن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين حدث بناء على اتفاقات قانونية لدول مجلس التعاون، وذلك في إطار المنظومة الخليجية الموحد والمصير المشترك. د. حسن الأهدل تدخل مرفوض من جانبه حذّر «د. حسن بن علي الأهدل» - المدير العام للإعلام والثقافة في رابطة العالم الإسلامي - من خطورة التدخلات الإيرانية في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها، مبيناً أن سياسة إيران تجاه شعوب المنطقة اعتمدت على التحريض واثارة الجدل الطائفي، واثارة الشعب والصدام بين الطوائف المختلفة، وهو ما حصل في دولة البحرين. وقال إن ايران تجاوزت ذلك الى ممارسة أعمال التجسس على دول المنطقة وشعوبها، وهو ما تم الاعلان عنه في الكويت، حيث تم الكشف عن شبكات للتجسس على مؤسسات الدولة وعلى التجمعات لأغراض مشبوهة، موضحاً أن دخول درع الجزيرة إلى البحرين، والذي جاء بدعوة من دولة البحرين، وله سند قانوني، وذلك من خلال اتفاقيات دول مجلس التعاون الخليجي، والاتفاقات دولة تتوافق مع مبادئ كل من منظمة المؤتمر الاسلامي وهيئة الاممالمتحدة التي تعترف بها، مؤكداً على أن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين قانوني من الناحية الإقليمية والإسلامية والدولية، وكان الاحرى بإيران أن تسهم في وحدة الشعوب المسلمة لا تفريقها. قادة مؤسسات ومراكز وجمعيات إسلامية وصفوا التدخل الإيراني ب«المؤامرة» على أمن المنطقة ورد «د. الأهدل» على بيان لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني الذي هاجم المملكة وقوات درع الجزيرة لدخولها البحرين عبر عدة نقاط، وهي: 1- أن مجلس الشورى الإيراني مؤسسة تشريعية وقانونية، والأحرى بها أن تكون حريصة على احترام القوانين وفهم الاتفاقيات الاقليمية والدولية والإسلامية والعربية، وليس تجاوز القانون وانتهاكه. 2- البيان فيه تجاوز صريح للصلاحيات والأطر المنظمة لعمل المؤسسات التشريعية وفيه تجاهل للقيمة القانونية للاتفاقات الامنية بين دول مجلس التعاون. 3- البيان انتهاك للاعراف والقوانين الدولية وميثاق هيئة الاممالمتحدة، وميثاق منطقة المؤتمر الاسلامي التي تمنع التدخل في شؤون الدول والشعوب. 4- البيان انتهاك لمبادرة حسن الجوار بين الدول بحكم تقاربها الجغرافي. 5- البيان يتنافى مع المبادئ الاسلامية التي تحث على أمن المسلمين وحسن الجوار فيما بينهم وتعاونهم على البر والتقوى وتحريم عليهم أعمال الاثم والعدوان والفتنة، يضاف إلى هذا انه لا يحق لأي كائن أن يتدخل في العلاقة الخاصة بين البحرين والمملكة اللتين ترتبطان بمواثيق واتفاقيات مشتركة دفاعية وأمنية واقتصادية وغيرها، وكلها معترف بها إسلامياً ودولياً، كما أن قوات درع الجزيرة محل ترحيب من قبل شعوب البحرين وحكومته، وقد دخلت إلى البحرين لحماية الشعب وتحقيق مصلحته الأمنية. شعارات الفتنة وأكد «د. سعد بن علي الشهراني» -المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين التابع لرابطة العالم الإسلامي- على أن التدخلات الإيرانية في شؤون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي طعنت مصداقية إيران في الدعوة إلى التعاون (الإسلامي- الإسلامي)، مشيراً إلى أن هذه التدخلات أسقطت شعارات إيران الداعية للوحدة الإسلامية، وما نراه ما هو إلا فتنة، داعياً علماء المسلمين ودعاتهم ومفكريهم في العالم للإسهام في العمل على تمتين أواصر وحدة الأمة الإسلامية، ورص صفوفها وتحذير شعوبها من خطر الفتن بين الفئات المتعددة وأتباع المذاهب والطوائف المختلفة، محذراً من التدخلات الإيرانية في شؤون الشعوب الإسلامية ومنها شعوب مجلس التعاون لدول الخليج العربي المسلم. وقال إن تدخل إيران في شؤون دول الخليج ومواطنيها ومحاولاتها إثارة الشغب كما حصل في دولة البحرين الآمنة يؤدي إلى النزاع وسفك دماء المسلمين، وهو ما حرمه الله، مشيراً إلى أن شعوب دول الخليج مستقرة وآمنة ومتلاحمة مع قياداتها التي تسهر على مصالحها، وتحرص على أمنها وسلامتها. وطالب «د. الشهراني» جميع علماء المسلمين في كل مكان بتوعية المسلمين من خطر الفتن ما ظهر منها وما بطن، داعياً إلى وأد الفتنة، وتبصير الساسة في إيران بخطر التدخل في شؤون الشعوب المسلمة، خاصة شعوب دول الخليج، ومراعاة حسن الجوار معها، مؤكداً على أن إيقاف التدخل ومنع الفتنة واجب شرعي لابد من الأخذ به؛ داعياً المراجع الشيعية في إيران بضرورة حث المسؤولين في بلدهم ونصحهم بعدم إثارة الفتن التي تشحن الصدور، وتنزع الحقد، وتحصد الأرواح.