يقول تقرير صندوق النقد الدولي ان العالم يسير على طريق التعافي الاقتصادي.وعلى ما يبدو لي فإن تعافي الاقتصاد العالمي أمر لا يزال بعيد المنال. والسبب يعود، كما يبدو لي إلى أن من بيدهم تعافي الاقتصاد العالمي لا زالوا غير جادين في الحلول التي يضعونها لمداواته. فهم يلجأون للتطبيب بالمسكنات.والمسكنات، مثل ما نعلم، لا تداوي وإنما تهدئ لبعض الوقت.ان نظرة سريعة إلى اقتصاد البلدان الصناعية القديمة التي تمسك بيدها مفتاح حل الأزمة الاقتصادية توضح لنا مدى التشوه الذي يعاني منه اقتصادها. ففي هذه البلدان التي تتكون في الأساس من أوروبا والولاياتالمتحدة نلاحظ نوعين من الاقتصاد. اقتصاد حقيقي أساسه الصناعة والزراعة والخدمات واقتصاد مالي منفصل عن عالم الاقتصاد الأول. فلقد تطور الاقتصاد الثاني من اقتصاد مساند للاقتصاد الأول إلى اقتصاد قائم بذاته. فالأموال المتداولة في اقتصاد الولاياتالمتحدة وأوروبا تتركز بصفة أساسية في قطاع المضاربة، وبنسبة تصل إلى 98% من حجم الأموال المتداولة. الأمر الذي يعني أن حصة الاقتصاد الحقيقي من التمويل هي نسبة ضئيلة لا تتعدى 2% إلى 3 %. ومثلما نعلم فإن اقتصاد المضاربة لا يخلق قيمة إضافية حقيقية وإنما فقاعة. ففي خلال المضاربات لا تولد أموالا جديدة بل يعاد توزيع الأموال المنتجة في قطاعات الاقتصاد الأخرى. ولذلك ومن أجل خلق الأموال اللازمة للمضاربة في ظل انكماش قطاعات الاقتصاد الحقيقية تلجأ هذه البلدان إلى طباعة الأوراق النقدية غير المغطاة بالسلع والخدمات. وهذا من شأنه أن يغيرالمعادلة. لأن اقتصاد المضاربة في هذه الحالة يصبح مستقلا بذاته. بل ان بقية القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة والخدمات تصبح طفيلية ومعتمدة على أموال حملة الأسهم والسندات. فإذا ازدهرت البورصة وارتفعت مداخيل المتعاملين فيها أصبح بإمكان هؤلاء الأخيرين شراء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه من سلع وخدمات. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى رواج تضخمي. وكان بإمكاننا أن نقول فليذهبوا وشأنهم. ولكن لا. فاقتصاد هذه البلدان كبير جداً يصل إلى أكثر من 28 تريليون دولار أي ما يعادل 47% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فإذا ما أضفنا إليه اقتصاد اليابان فإن المساهمة سوف ترتفع إلى أكثر من 50%. فمن غير الممكن أن يكون اقتصاد بهذا الحجم ولا يؤثر سلبياً على اقتصاد بقية بلدان العالم من خلال الروابط الأمامية والخلفية التي يقيمها معه. فالبلدان الصناعية القديمة التي استهوتها، خلال العشرين عاماً الماضية، عملية إنتاج النقود وطباعتها أكثر من إنتاج السلع والخدمات قد أوصلتنا إلى مستويات خطيرة. فنحن مع بقية بلدان العالم قد أصبحنا اليوم نعيش في ظل اقتصاد عالمي متضخم يقل حجمه، حسب القوة الشرائية للعملات الصعبة عام 1970، بأكثر من ألف مرة عما كان عليه عندما كانت العملات مرتبطة بالذهب. وللأسف الشديد ان هذه الأوراق المطبوعة، ضمن سياسات التيسير الكمي وغيرها، هي التي يتم بها محاسبة بقية بلدان العالم. الأمر الذي يعني أن شراء خيرات بلدان الجنوب لا تكلف بلدان الشمال، في كثير من الأحيان، أكثر من القيمة التي ينفقونها على طباعة الأوراق النقدية. ولكن استمراء تملك خيرات الغير من دون مقابل يذكر تؤدي إلى خلل في الميزان التجاري وإلى ارتفاع الواردات مقابل الصادرات مثله مثل تفضيل الاستهلاك على الإنتاج الذي يؤدي إلى زيادة المديونية. ولذلك، وليعذرني صندوق النقد الدولي، فتعافي الاقتصاد العالمي في ظل هذا التشوه الذي نعيشه أمر مشكوك فيه.