ليس سابقة فريدة أن تشهد السوق الايرانية اضطرابات حادة في أسعار الذهب والعملات الصعبة. والاضطراب طاول أسعار العقارات والمنتجات الصناعية. وثمة رأيان في أسباب الاضطرابات الاقتصادية في البلد، الاول يذهب الى أن الاقتصاد الايراني تعرض للمرض الهولندي، وهو تشوه هيكلي يصيب الاقتصاد جراء ارتفاع عوائد النفط وتراجع إنتاج القطاعات الإقتصادية الأخرى شأن قطاع الزراعة، والصناعات غير النفطية والخدمات. ويرفض الخبراء الحكوميون الرأي هذا، ويعزون الأزمة الي عوامل طارئة مرتبطة بالظروف الاقتصادية العالمية سرعان ما يتبدد أثرها. ويتساءل المواطنون عن أسباب إهمال الاقتصاديين إنجاز نسبة النمو الاقتصادي المعلنة رسمياً، في وقت تعجز نسبة التضخم العالية عن اقناع الآخرين بصحة النسبة المعلنة. فهل علمُ الاقتصاد يختلف بين الاصلاحيين والاصوليين؟ ومن يلّم قليلاً بالاقتصاد يعرف ان مقياس التقدم الصناعي هو الثقة والقروض، وليس حجم النقد المتداول، على ما هي الحال في بلادنا. فالسيولة هي مقياس التقدم في ايران! وفي الدول الصناعية، لا يتجاوز معدل النقد المتداول عتبة ال 10 في المئة من حجم الكتلة النقدية. وركن بقية القطاعات الاقتصادية هو الثقة والقروض المترتبة عليها. ولكن 90 في المئة من اقتصادنا يدور على استخدام المواطنين النقد، ولا تتعدى نسبة القروض 10 في المئة. وعليه، تختلف أسباب اضطراب الاسعار في بلدنا اختلافا جذرياً عن نظيرها في الدول الصناعية. ولكن ما هي دواعي التغيير المفاجئ في أسعار البورصة والذهب والعملة الصعبة؟ يرى الاقتصاديون ان حلقات الاقتصاد متماسكة ومترابطة. وليس استثنائياً ان تتجه السيولة النقدية الى الاستثمار في البورصة والذهب والعملات الصعبة، إثر ركود قطاع العقارات ركوداً واضحاً، في السنوات القليلة الماضية. ولذا، يُتوقع نشوء نمو غير حقيقي جراء عجز هذه المجالات عن استيعاب الاستثمارات الكبيرة. وعلي رغم اعتقاد اقتصاديين كُثر ان انتعاش البورصة ضعيف الصلة بالوضع الاقتصادي، فوراء الانتعاش هذا ثمة الركود الاقتصادي في بقية القطاعات الاقتصادية . وإذا حاولت الحكومة التدخل للجم ارتفاع اسعار الذهب والبورصة والعملات الاجنبية، واجهنا تضخماً جديداً وارتفاع الاسعار في مجالات اخري تستطيع استيعاب رؤوس الاموال. فأموال العائدات النفطية هي في مثابة المياه التي تسهم في تفاقم النزيف الدموي. ونسب التضخم الرسمية وغير الرسمية هي تحد حقيقي يواجهه المواطنون. والاقتصاد المصاب بداء التضخم بعيد من العدالة. والحلول السريعة والانفعالية لا يمكن لها ان تعالج الأزمات الموجودة. ولا يمكن معالجة هذه الأزمات من طريق معالجات جزئية لقطاع دون غيره، بل من طريق صوغ إطار عام يتولى علاج المشكلة الاكبر. * معلق، عن «ابتكار» الايرانية، 2/10/2010، إعداد محمد صالح صدقيان