تعتمد الاقتصاديات العالمية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري لخلق قيم اقتصادية مضافة، تساهم في دعم نموها الاقتصادي واستقراره في وقت التقلبات الاقتصادية. فنرى الولاياتالمتحدة والصين وغيرها من الاقتصاديات القوية تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي ناتجها المحلي بما بين 60% إلى 80%. فما بالك في السعودية التي تعتمد إيراداتها على النفط بنسبة 90%، بينما نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا تتجاوز 30% من إجمالي الناتج المحلي. فبدلا من زيادة مساهمة تلك المنشآت في الاقتصاد، إلا ان عدد المنشآت الفردية تراجع من 574976 في 2003 حسب مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى 550 ألف منشأة ناشئة في الوقت الحالي حسب تصريح وزير المالية السعودي. إن الأمر مخيف عندما أوضح محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي ان منشآت الأعمال حققت معدلات نمو بلغت 16% سنويّا، حيث ارتفع عدد المنشآت المشتركة في نظام التأمينات الاجتماعية التي تمثل المنشآت الفردية 93.1% من 121.5 ألف منشأة في 1426ه إلى 218.4 ألف منشأة في 1430ه. وهذه الأرقام متناقضة واقل بكثير من الأرقام السابقة أي ان معظم تلك المنشآت حصلت على سجلات أو تراخيص ولكنها لم تعمل أو ان معظمها لم يتم تسجيلها في نظام التأمينات الاجتماعية، ما يعطينا تفسيرا آخر ان زيادة تسجيل المنشآت في ذلك النظام عائد إلى عملية التسجيل وليس لعملية النمو. فإن زيادة البنوك السعودية نسبة قروضها للمنشآت الصغيرة بعد قرار وزارة المالية بزيادة نسبة دعم برنامج كفالة 80% لم يكن العقبة الرئيسية في عدم نمو المنشآت الصغيرة بشكل ملحوظ، ولكن المخاوف والتهديدات التي تواجه المنشآت الصغيرة هي العقبة الكبرى في طريق المنشآت الخاصة. فقد يمهد التمويل الطريق لتلك المنشآت الصغيرة ولكنها سوف تعجز من الوصول إلى نهاية الطريق بسبب تلك المخاوف التي يشرحها تحليل نقاط القوة والضعف مقابل نقاط الفرص والمخاوف ((SWOT. وهذا التحليل يفسر لنا أن هناك فرصا كبيرة ولكن تضمحل تلك الفرص في مواجهة المخاوف الحقيقية التي تتركز في احتكار القلة وانتشار المنشآت الصغيرة المتسترة. إن المنشآت الصغيرة الجديدة والقائمة لم تستطع اختراق حواجز احتكار القلة، مما أدى بها إلى الفشل في سوق يؤمن بمبادئ حرية السوق ولكن يسيطر عليه عدد قليل من الشركات وتستحوذ على اكبر حصص سوقية ممكنة في كل قطاعات التجزئة، فبمجرد أن يدخل المبادر إلى أي سوق تجاري سعودي إلا وسوف يشاهد عددا من أسماء الملاك القليلة والملصقة على واجهات محلات كثيرة من الأسماء والماركات التجارية المعروفة، ماذا يعني هذا؟ إنها حواجز احتكار القلة التي تمنع دخول المنشآت الصغيرة إلى السوق ( Barriers to entry) فقد يستطيع المبادر الجديد إنشاء مشروع ولكنه لا يستطيع أن يستمر وسوف يكون مصيره الفشل، حيث ان معظم المشاريع الصغيرة تفشل في أول عام من تأسيسها وبمعدل يتجاوز 90% في العالم ولكن في السعودية الفشل اكبر بسبب تفشي ظاهرة احتكار القلة التي تعتمد على المنافسة المكانية، ألا توجد نفس الأسماء في كل مكان حتى لا تترك أي فرصه للمبادرين الجدد، ألا إنها تعطي 70% خصوما فتصبح التكاليف أقل من الأسعار بقصد إخراج المنافسين من السوق. إن احتكار القلة يقود إلى غياب المنافسة ما يضر بالمبادر والمستهلك على السواء، وبما ان عدد الشركات محدود فإنها تعرف جيدا ردة أفعال بعضها (تغيير الأسعار أو الكمية)، حيث يصبح هناك اتفاقيات شبه ضمنية من خلال السوق حتى لا تقوم حرب الأسعار فيما بينهم. هذا يعني ان السوق يتبع الشركات القائدة عندما تخفض أسعارها في مواجهة منحنى الطلب المتلوي (kinked demand curve)، بينما مرونة الأسعار تعتمد على ردة فعل المنافسين بتغيير الأسعار والكمية. لذا يبدأ المبادر مشروعه عند نقطة التسوية Break-even) ) بتساوي اجمالي التكاليف مع إجمالي المبيعات وعند صفر من الربحية أو الخسارة، لكنه لا يستطيع زيادة مبيعاته مع الوقت ما سوف يضعف تدفقاته النقدية وتكون النقدية الخارجة أعلى من النقدية الداخلية في كل فترة، فلن يستطيع دفع الإيجار أو قيمة البضاعة في الفترة اللاحقة فيصبح مصيره الفشل. أما المنشآت المتسترة فحدث ولا حرج فهي تقوض نمو المنشآت الصغيرة وتضعف القيمة المضافة للاقتصاد وتحرم السعودي من فرصة عمل وتصدر أموالنا للخارج. عندما يقوم المتستر ببيع المنتجات الرديئة والمقلدة أو المنتهية الصلاحية عند ادنى سعر ممكن لا يستطيع المبادر السعودي منافسته. * عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية عضو الجمعية المالية الأمريكية