أصبحتُ اليوم بخير .. إلى الحد الذي يمكن معه أن أتسامح فيه مع الحياة والناس .. أعرف أنك تحبني .. وأنك تتفانى في إرضائي .. غير أنك في غمرة هذا الحرص عليّ تنسى وجود الآخرين .. كأنك تقول - وإن لم تصرح بذلك - هذا يهمني أكثر منكم .! وبدافع الحب ، كل الحب ، أقول لك إن هذا يجعلني أقل فرحاً بحفاوتك وتفانيك .! صدقني أنني أقدرك حق قدرك .. وآنس بقربك .. لكن إحساسي بتجاهلك للآخرين يجعلني أردد ، بيني وبين نفسي ، ليته لم يقل كذا أو يفعل كذا .! دعني أقلْ لك شيئا أحس به .. إن لدى كل إنسان بنوداً مما يحبه فيمن يحب ، ويكرهه فيه ، وهي شئنا أم أبينا أردنا أو لم نرد ، يمكن أن ُتنقص أو تزيد من مشاعر القرب والبعد .. والرضا والسخط .. والراحة والتعب .. والحب والعتب .! **** حينما نحلُم لا نرى الأشياء بعيوننا .. في اللحظة التي تنام فيها أجسادنا المجهدة (بالصحو) يستيقظ طائر (الشجن) .. يظل ساهراً يحلّق .. ويحوم .. ويتنفّس .. يستعرض صوراً ما كان يمكن أن نراها لو لم نغمض عيوننا .! أي ساحة ومساحة هذه التي تتجاوز جغرافية الزمان الذي نعيشه ، والمكان الذي نسكنه ليسكننا الزمان والمكان ؟! ألا ترين أننا كلما ضاقت الصورة المتخيلة نغمض عيوننا فنراها حينئذ بتفاصيل وألوان لا نهاية لها ؟! إنها الساحة التي تتجاوز بنا مجرّد النظر .. وربما من أجل هذا نقول " .. ثم أغمض عينيك حتى تراني " .! أبحث في الحلم عن أشياء تتوارى عن صحوي .. أتساءل كيف أبحث عما لا أرى وأعرف .. كيف أفتقد ما لم يكن موجوداً ؟! ولا أجد إجابة إلا أنني أبحث عما لا أراه وإنما أحسه وأحبه .! إن محدودية المعرفة هي التي تحفّز في داخلنا الرغبة في البحث عن ذلك الشيء الذي نحسه .. كأن أحاسيسنا بأشيائنا الحميمية بدأت قبل أن نتعارف .. هي صورة التقطناها في لحظات ُحلم .. حينما يأخذنا النوم لموتة كل يوم ، ننطلق كجياد مسرجة ، ترفع أجنحة تخفق بين موكب النجوم .! **** " الأرض بتتكلّم عربي " .. والبحر بيتكلّم عربي .. مات الزمّار فما حاجتنا لأصابعه ؟! مات الزمّار .. وبقي المزمار .. فمن يريد أن يوقّع لحناً جديداً ، يسمعه ( التاريخ ) وتفهمه ( الجغرافيا ) .؟!