في أدبياتنا الشعبية مثل يقول : (أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة) ، وقد يكون هذا القول مقبولا حينما كانت موارد الثقافة لكل الأجيال واحدة ، وليس بينها أي تمايز أو أدوات خاصة يعرفها البعض ولا يعرفها البعض الآخر ، كان مقبولا يوم أن كانت متغيرات الثقافة وأرصدة الوعي تحسب بالعقد والعقدين إن لم يكن بالجيل ، وحينما كانت النخبة هي من يحق لها ادّعاء احتكار المعرفة . الآن ومع متغيرات العصر التي باتت تتطور على مدار الساعة خاصة في ميدان أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة .. أصبح الفارق يتم حسابه باليوم والساعة ، وعلى رأي الأخوة اللبنانيين (يا بتلحق يا ما بتلحق) ، حلّ قوقل ومحركات البحث الأخرى محل أمهات الكتب ، وتقلصت المسافة بين الفرد والمعلومة إلى مسافة كبسة زر ، وخسر المثقف طاووسيته التي كانت تتبدى بكامل ألقها حينما يُستفتى بمعلومة ما ، بعد أن أصبح شرط الحصول على المعلومة هو فقط توفر السؤال ، وظهر مصطلح (القوقلة) ، ولم يعد غريبا أن تجد طفل العامين وهو يمارس أغرب المهارات مع جهاز ال (آي باد) ، ويتحكم طفل آخر في السابعة من عمره وبمنتهى الكفاءة بأسرار الكمبيوتر أمام رجل جاوز الخمسين وهو يدّعي الحكمة وسعة المعرفة فيما هو يُنفق نصف يومه في البحث عن شطر بيت ضائع ما بين ذاكرته المضطربة ، وأرفف الكتب المغبرّة . ومع هذا لازلنا نعتقد أن من هو أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة ، لازلنا عاجزين عن استيعاب أننا أمام جيل أو أجيال مختلفة ، فكرا ووعيا وثقافة يجب أن تأخذ دورها ، لا زلنا أسرى لتلك النظريات المقولبة التي تصف كل جيل جديد بالجيل الرديء ، وتتمنى لو أنها من باب الفضيلة تستطيع أن تستنسخ ذاتها فيه ، دون حساب تلك المتغيرات ما بين طفولة جيل كانت أجمل مهارات لهوه على سبيل المثال تعليق ريشة نعام على مقود دراجة ، أو صناعة سلاح بدائي لصيد العصافير ، وطفولة جيل آخر يتواصل بالبلاك بيري ، ويلاعب بالبلايستيشن ندّه في آخر نقطة من سواحل الكرة الأرضية دون أن يعرف لغته أو اسمه . لذلك المشكلة كل المشكلة في تقديري أن الفارق بين الأجيال لم يعد فارقا عمريا ، وإنما هو فارق تكنولوجي تختلف فيه الثقافات إلى حد القطيعة ، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على فهم لغة الشباب التي انفجرت على هيئة براكين شبابية .. لأننا ربما نريد أن نسحب معايير القيم التي ألفناها مع ثقافتنا التقليدية ، على ثقافة أخرى مختلفة تحمل قيمها معها شئنا أم أبينا ، لذلك (مرة أخرى) علينا أن نقترب من الشباب ومن فكرهم وثقافتهم وننصت إليهم ونشاركهم في الحاضر لبناء المستقبل ، ونتخلص من عقدة الأكبر على أنه هو وعاء الحكمة والمعرفة .. لصالح الأعرف والأدرى بمفاهيم العصر وأدواته والأكفأ في التعامل معه .. وإلا فسنجد أننا أصبحنا كالغرباء..