** أعجبني كثيراً تناول فضيلة إمام خطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ (صلاح البدير) في خطبته يوم الجمعة الماضي.. قضايا الأمن والاستقرار في الأوطان.. وذلك بمخاطبته العرب والمسلمين بقوله ( إن أهل الإسلام على وعي بالعواقب وإدراك المآلات.. وهم قادرون – بحول الله وقوته – ثم بتضافرهم وتناصرهم وتحاورهم على حماية أوطانهم وإدارة شؤونهم ومعالجة مشكلاتهم دون إملاءات الحاقدين وتدخلات الشامتين وخطابات الشانئين.. ** وتأكيد فضيلته على انه ( لا تُحمى الأوطان الا برجالها ولن تُصان الذمار الا بأهلها).. ** ودعوته المسلمين قائلاً: ( احفظوا أمنكم ووحدتكم وصونوا أوطانكم واستقراركم ).. ** أعجبني هذا الكلام لسببين اثنين هما : - أولاً : أن الشيخ قد اختار الوقت المناسب لهذا الكلام وتوجيه النصح وهو ينظر إلى حال الأمة.. وما تتعرض له من أخطار.. وما تحياه بعض المجتمعات العربية من ظروف حساسة ودقيقة.. أفضت إلى ما أفضت إليه ، كما سمعنا ورأينا.. - وثانياً: أن الشيخ قد اختار المضمون الذي يخاطب وعي الأمة.. ويبصرها بما يدور حولها.. وما يتوجب عليها ان تفعل.. ** وهكذا يجب أن تكون خطب الجمعة.. معايشة للأوضاع.. ومتابعة للأحداث والتطورات والهموم التي تحياها الشعوب وتتعرض لها المجتمعات .. بدلاً من الخوض في موضوعات وقضايا لا صلة لها لا بالمكان.. ولا بالزمان.. ولا باهتمامات الناس.. وهواجسهم.. ** تلك ناحية.. ** اما الناحية الثانية التي أود أن أنبه إليها فهي : ان الخطاب الدعوي.. أو الاعلامي.. لابد وان يعي أن مخاطبة الأمة لابد وان تنطلق من الادراك التام لحقيقة التنوع الثقافي الذي لا مناص من الاعتراف به.. والتعامل به.. وان على مؤسسات الدعوة والاعلام ان تستوعب ان الوطن الواحد.. وإن تنوع نسيجه.. وتفاوتت مكوناته الثقافية.. الا انه يظل الضامن لوحدة ابناء الشعب الواحد.. وتضامنهم.. وتكاتف جهودهم.. نحو تحقيق الاستقرار الشامل والكامل.. في ظل تقاسم تبعات المسؤولية دون تمييز.. وبتكافؤ كلي.. بعيداً ! عن الاختلافات الطبيعية بين مكوناتهم الثقافية أو المجتمعية.. ** كما ان علينا ان ندرك أيضاً.. أن هذه الشراكة الوطنية فوق أنها توجب ولاءً كاملاً وتاماً ونهائياً للوطن وليس لأي شيء آخر.. منعاً للازدواجية الفكرية والسياسية، وقطعاً لدابر التوزع بين مفهوم الولاء الديني والولاء السياسي.. وحسم المصلحة لصالح توظيفهما لصالح الأوطان أولاً وأخيراً.. ** وما حدث في مصر أخيراً.. عندما امتزجت مشاعر المسلمين مع مشاعر اخوتهم المسيحيين في ميدان التحرير وسائر الميادين المصرية الأخرى وكذلك عندما خلعت الاحزاب والتكتلات السياسية من عليها كتفيها أيدلوجياتها.. وانصهرت كلها تحت ايدلوجية وطنية واحدة تطالب بالتغيير وتأمين حماية الوطن وسلامة مساره.. فإنهم إنما جسدوا بذلك مفهوم الوحدة الوطنية الأقدر على العمل من أجل مصير واحد.. ومشترك.. ولصالح مستقبل منفتح على كل الآفاق.. ضماناً للوحدة الوطنية (أولاً) وتعظيماً لخيار العمل المدني من أجل بناء هذا! المستقبل الواعد (ثانياً).. ** ولا يساورني أي شك.. في أن الجميع بات يدرك أن التغيير الذي تتطلع إليه الأجيال الحالية والقادمة يتطلب مستويات عالية من الوعي الأكثر استيعاباً لحركة التاريخ.. بعيداً عن الجمود والتحجر.. وكذلك بعيداً عن الصيغ والممارسات المنفصلة عن الواقع.. وغير المدركة لأبعاد التحولات الكبيرة التي تفرض مستويات عالية من الاستيعاب لما يحدث.. والسرعة في التعاطي معه.. والنضج في التفاعل مع حركته.. حتى نحافظ على أوطاننا ونضمن استقرارها وسلامة تعافيها من كل معوقات النمو الطبيعية لتقدمها.. بهدوء وبحكمه ووطنية حقيقية.. وبعقول مفتوحة.. وبمشاعر صادقة.. وأمينة.. وحريصة على الحفاظ على مكاسبنا الكثيرة والكبيرة وعدم التفريط فيها.. أو التقصير في صيانتها.. وكذلك الحيلولة دون العبث بها. *** ضمير مستتر: **(لاشيء أغلى من الأوطان.. ولا شيء أعظم وأروع من الشكر لله على نعمه والحفاظ عليها.. وتأمين سلامة الأوطان وحمايتها من الأخطار النابعة من داخلها!).