عندما يتنازع اثنان شيئاً، فإن أحسن ما يُظن بأحدهما: أ/ أنه لا يريد من صاحبه أن يفتات عليه، ولا على من خوَّله تلك الصلاحية. ب/ أن سعيه وراء من ينازعه لإيقافه عن منازعاته؛ حتى لا يعيقه عن القيام بواجباته. ج/ أنه يريد ادّخار جهده ووقته المبذولين في صدِّ منازعيه؛ ليُسَخِّرَهمُا في ما أُسند إليه. د/ أن سعيه في تطوير قطاعه متوقف على أداء مهامه كما يُراد منه، ومنازعته تمنعه من أداء مهمته، فكيف بتطويرها. وعندما يتنازع اثنان شيئاً فإن أسوأ ما يُظن بأحدهما: أ/ أنه غير محيط بواجباته؛ ولذا فهو يُنازِع غيره فيما ليس له. ب/ أنه مستهين بما أُسند إليه؛ ولذلك يتطلع لما عند غيره؛ ليرفع به خسيسته. ج/ أنه متجاوز حدوده متطاول على نظرائه؛ مستأثر بما ليس له على مَن هو مِن حقه. د/ أنه يريد التغطية على عجزه عن تأدية وظائفه بانشغاله بتحصيل ما يُنازِع فيه. * ومن الطبيعي أن يكون التدافع والتنازع على حساب العمل الأصلي المناط بالمتنازعَين والمتدافعَين. * ومن البدهي: أن من يُنازِع فيما ليس له سَيُفَرِّطُ فيما يجب عليه؛ بصرفه جزءاً كبيراً من الوقت المتاح لأداء واجبه في تلك النزاعات، وبإنفاقه جهداً كبيراً في أداء ما أنيط بغيره. فاشترك أسوأ المتدافعين مع أسوأ المتنازعين في إهدار الوقت، وانفرد أسوأ المتنازعين بإهدار الجهد. * ونحن هنا أمام تصرفات غريبة، ومخالفات عجيبة لنظام القضاء، ولوائح وضوابط قضائية، ولبعض أنظمة الدولة الإدارية؛ فضلاً عن مخالفتها أوامر ملكية صريحة، التي كان انصراف المعنيين وإعراضهم عن سماع التنبيهات بشأنها سبباً للإقدام على نشر هذه المقالة؛ تقديماً لمصلحة القضاة، والمؤسسة القضائية، ودرءاً لمفاسد تعود بالضرر على رجال المؤسسة القضائية أجمعين، وقد حددتها في الفقرات التالية: أولاً: تلقيت اتصالاً من أحد الزملاء المُرَقين حديثاً إلى مرتبة (قاضي استئناف) يسأل عن: شرعية نظره القضايا في المحكمة العامة بعد نفوذ ترقيته إلى قضاء الاستئناف؟. فأجبته بالتالي: إن نظر القضايا ولاية مستمدة من ولي الأمر، وقاضي الاستئناف لا يحق له نظر القضايا ابتداء إلا بأحد طريقين: - أن يندبه رئيس المجلس الأعلى للقضاء مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر؛ بحسب المادة (49) من نظام القضاء. - أن يندبه المجلس الأعلى للقضاء (الهيئة العامة) مدة لا تتجاوز سنة؛ بحسب المادة (49) أيضاً. قال لي صاحبي: لقد صدر قرار من المجلس باستمرار بقائي في عملي في المحكمة العامة حتى إشعار آخر!. فأجبته: ليس في النظام ما يُسمى إبقاء القاضي في عمله السابق حتى إشعار آخر، وإذا لم يصحح القرار فنظرك القضايا مخالف لنصوص النظام الواضحة، مخالف لنصوص الشريعة التي أمرت بطاعة ولاة الأمر فيما يأمرون به، ومؤدٍ إلى الافتيات على ولي الأمر؛ بالتصدي لولاية محجوبة، وبالصدود عن ولاية موضوعة. كتبت بذلك موضوعاً بعنوان (إلى من يهمه أمر المجلس) ونشرته في منتدى: «مركز الدراسات القضائية التخصصي» لعل المعنيين بالأمر يطلعون عليه، وذكرت فيه الحل لذلك الإشكال، وأنه لا يعدو أن تُصحح تلك القرارات بأثر رجعي، وذلك ممكن بقرار واحد تذكر فيه أرقام وتواريخ القرارات المعيبة، وأخبرت السائل بخبر الموضوع. عاد إليَّ صاحبي، فأفاد بأنه أطلع المجلس على هذا الإشكال فلم يُلقوا له بالاً. تأكد لي خبر هذا الزميل عندما اطلعت على قرار من المجلس في دورته اللاحقة بالنص على: استمرار أحد قضاة الاستئناف في عمله، والحيدة عن التقيد بالنص النظامي بالندب. لكل هذا: وجب البيان حتى لا يُساء (بالقضاء والقضاة في بلادنا الظنون) بسبب خطأ أدى بصاحبه إلى التعنت، والتمادي في خطئه بدلاً عن تصحيحه. ثانياً: في جلسة سابقة صدرت من المجلس قراراتُ ندبٍ لمجموعة من القضاة إلى التفتيش القضائي، وبعضهم لا تتوافر فيهم الضوابط المعتبرة لاختيار المفتش القضائي، وفق الفقرة (د) من اللائحة المعدة من المجلس في الجلسة السابقة للجلسة التي صدرت فيها تلك القرارات المعيبة. أوضحت في الموضوع المنشور في منتدى المركز ذلك الخطأ، واقترحت حلاً لهذه الهفوة النظامية في حال رغب المجلس الإبقاء على تلك القرارات، ويتلخص في: تعليق العمل بالضوابط المعدة داخلياً ريثما يتيسر للمجلس إيجاد المخرج من تلك المعضلة ؛ والمخارج النظامية موجودة متيسرة: منها: تعليق العمل بتلك الضوابط، وإقرار أولئك المفتشين حتى نهاية مدة ندبهم، ثم استئناف العمل باللائحة وفق ما تضمنته من شروط. ومنها: نقل ندب أولئك القضاة من التفتيش إلى المجلس؛ ما دامت حاجة المجلس ملحة لندب أعداد كبيرة من القضاة كما حصل في الجلسة الأخيرة. تأكد لي: وصول نبأ التنبيه على هذا الخطأ إلى المجلس، فلم يُحرك المجلس ساكناً حيال تدارك ذلك الخطأ، ولذلك: وجب الإيضاح؛ حتى لا تساء بنا الظنون، ولئلا يُرمى جميع القضاة بعدم فهم النظام، أو بعدم احترامه. ثالثاً: في الجلسة الأخيرة حصل من المجلس الموقر أخطاءٌ مركبة تركيباً معقداً، لا يمكن أن يحصل في بلدٍ اعتمد قادته سياسة الشفافية منهجاً، وتبنى ولاة أمره القضاء على كثير من سلبيات الإدارة العشوائية. وهذا الوقوع الشاذ يتمثل في الالتفاف على عدة أنظمة من أنظمة الدولة المعتمدة من ولي أمر هذه البلاد وفقه الله، فقد أعلن المجلس عن مكاتب «قضائية» شاغرة في محكمة الرياض العامة!، ثم شغلها بمن يراهم أحق بها من غيرهم - ولا شأن لنا بتصحيح هذا الإجراء ولا بتخطئته - غير أن العجب لا ينقضي حينما أصدر المجلس في نفس الجلسة ندب خمسة من هؤلاء القضاة المنقولين ليعملوا في المجلس، وبعضهم مندوب للعمل في المجلس منذ عدة جلسات، وبدلاً عن تمديد ندبهم آثرهم المجلس بالنقل إلى المحكمة العامة بالرياض، وَنَدَبَهُم للعمل في المجلس قبل مباشرتهم العمل في المحكمة المنقولين إليها وقبل صدور قرار نقلهم. ومع أن الظاهر أن المجلس يريد مكافأة هؤلاء الخمسة بالنقل إلى الرياض، غير أن الأولى - في مثل هذه الحالة - أن يؤجل ندبهم إلى المجلس حتى يباشروا عملهم في المحكمة التي نقلوا إليها؛ ليضمنوا مكاناً مناسباً يعودون إليه متى انتهى ندبهم، أو طرأ ما يدعو إلى انقضاء الحاجة إلى ندبهم خلال مدة الندب. غير أن العجلة واستباق الأحداث دعت إلى هذه القرارات الشاذة، ولذا سيكون لزاماً على هؤلاء الأخيار: إما: أن يباشروا عملهم المنقولين إليه أولاً، وهذا ينقض قرار الندب الذي صدر لهم باعتبار ما سيكون. وإما: أن يباشروا عملهم المندوبين إليه قبل المباشرة في المكان المنقولين إليه، وهذا يلغي قرار النقل الذي صدر لهم باعتبار ما كان. ومثل هذه القرارات لا تصدر عن غفلة، ولا عن سهو، بل عن تخطيط وإعداد مسبق أوقع أهله في تلك المثلبة النظامية، وحق لقائل أن يقول: تعست العجلة. ولذلك لزم البيان: لئلا تساء بجميع منسوبي المؤسسة القضائية الظنون ؛ بسبب أخطاء لا تنسب لغير مقترفيها، لا لمن لا يد لهم فيها. والله المستعان. رابعاً: قرر المجلس فتح محاكم استئناف في أغلب مناطق المملكة، ولم يُفتح منها - بالفعل - إلا بعضها، وزاد المجلس الموقر بأن شغل عشرات الوظائف من مرتبة (قاضي استئناف)، وتلك منقبة يشكر عليها المجلس لو أنه أحسن فيما بعد ذلك، غير أن الإساءة اللاحقة محقت الحسنة السابقة، والعبرة بالخواتيم. * لقد كان من الأولى بالمجلس: الانتظار بالترقيات حتى جاهزية العمل في محاكم الاستئناف المفتتحة. ولعل الأولى من ذلك: الإسراع بافتتاح محاكم الاستئناف؛ لتمكين القضاة المرقين من العمل فيها حال اعتماد الترقيات من المقام السامي الكريم. ولما لم يحصل أيٌ من هذين الأمرين كان من اللازم: أن يُكَلَّفَ أولئك القضاة المرقون بالعمل في محاكم الاستئناف التي تقوم بعمل محاكم الاستئناف التي رقوا إليها، وأن يكلفوا فيها بتدقيق الأحكام الصادرة من المحاكم المشمولة بولاية المحاكم المرقى إليها كل منهم، حتى إذا جهزت محاكمهم للعمل فيها انتقلوا إليها بأوراقهم ومعاملاتهم وكامل إرشيفهم القضائي. * وهذا أولى من إبقائهم في وظائف خرجت عن ولايتهم، وأحرى من توريطهم في أعمال باطلة «شرعاً» و«نظاماً»، وقد يكون لها وقع غير محمود في مستقبل أمرهم. * وإن كان السبب في إبقائهم في أعمالهم السابقة هو الحاجة إليهم في تلك الأعمال: فما الذي دعا المجلس إلى الاستعجال بترقيتهم، ثم تكليفهم في أعمالهم السابقة للترقية قبل استئذان ولي الأمر فيما يرمون إليه؟. * وإيضاح ذلك الخطأ لازم؛ حتى لا يُساء الظن بجميع رجال القضاء؛ من جراء هذا الخطأ الظاهر من المجلس الموقر. خامساً: قرر المجلس في جلسات سابقة، ومنها الجلسة الأخيرة ندب مجموعة كبيرة من القضاة للعمل في المجلس، وفي المحكمة العليا؛ لأداء أعمال غير قضائية، مستنداً إلى المادة (49) من نظام القضاء. وحتى لا تُساء بجميع القضاة الظنون: فإن هذا الندب باطل من أساسه؛ لافتقاره إلى الموافقة السامية، فالندب إلى خارج السلك القضائي مشروط بصدور الأمر الملكي متى زاد على ثلاثة أشهر، وندب القضاة في غير الأعمال القضائية إلى المجلس، أو غيره من المحاكم ندبٌ إلى خارج السلك القضائي، والسلك القضائي لا يُعنى به دوائر المؤسسة القضائية أجمع، بل المراد به العمل القضائي الفعلي: (المحاكم) نظراً، و(التفتيش القضائي) تدقيقاً. * ولست أرى سبباً لندب قاضٍ كي يعمل مسؤولاً عن قسم الحاسب الآلي مثلاً، أو مديراً لإدارة العلاقات العامة والإعلام؛ إلا أن يكون الندب لمدة ثلاثة أشهر بحسب صلاحيات رئيس المجلس، أما الندب لأكثر من ذلك ف: «مَسَبَّة نظامية»، و«مَهْزلة إدارية» لا يُقر عليها من تصدَّى لها. سادساً: حتى لا تختلط الأوراق، وتساء بنا الظنون، وانطلاقاً مما جاء في الأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ/144 المؤرخ في 24/10/1431ه، ونص المقصود منه «وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة من ترتيب العلاقة بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل؛ طبقاً لما تقضي به النصوص الواردة في الأنظمة ذات الصلة، وبما يضمن تحقيق التعاون الكامل بين هذين الجهازين، ويحقق أهداف المرفق القضائي؛ وفق استقلالية القضاء». من هذا كله: أوجز التجاوزات الحاصلة من المجلس لمنطوق هذا الأمر الملكي الكريم؛ رغم وضوح وظهور مستند بطلان تلك التجاوزات؛ رجاء إعادة النظر فيها ممن يعنيه مصلحة المجلس، ومن يمثلهم المجلس من قضاة المحاكم في أرجاء البلاد. 1- جاء في الفقرة ثانياً من الأمر الملكي الكريم ما نصه: «يصدر رئيس المجلس القرارات اللازمة لشغل الوظائف الإدارية المعتمدة للمجلس في ميزانيته، وجميع الأمور الإدارية الأخرى؛ من تكليف ونقل وترقية وغيرها، وذلك وفقاً للأنظمة والتعليمات المتبعة». وجاء في الفقرة ثالثاً من الأمر الملكي ذاته ما نصه: «تكون وزارة العدل هي الجهة المعنية بتبليغ الأنظمة، والقواعد، والتعاميم، والقرارات الواردة إليها منا، ومن الجهات الحكومية الأخرى، وذلك عدا ما نرى أن يكون تبليغه عن طريق المجلس». - هذان النصان ظاهرا الدلالة، واضحا المعنى، غير أن تطبيق المجلس الموقر لهما مخالف تماماً لما جاء فيهما، فما زلنا نرى، ونقرأ، ونسمع عن قرارات المجلس المبلِّغة للقرارات السامية الكريمة بتعيين القضاة وترقياتهم!. - فمن المسؤول عن ذلك؟؛ لمصارحته، أو محاسبته حتى لا تختلط الأوراق. 2 - جاء في الفقرة سابعاً «تكون وزارة العدل المتحدث الرسمي عن الشؤون العدلية بصورة عامة، ويكون المجلس الأعلى للقضاء المتحدث الرسمي عما يصدره من قرارات مُعتمدة ونافذة». وفي الجلسة الثانية عشرة المنعقدة بعد صدور هذا الأمر الملكي الكريم، شاهدنا التفافاً ظاهراً على ما جاء فيه، أدى إلى تعدٍ سافر على تطبيقاته، فقد تضمن تصريح المتحدث الرسمي للمجلس الآتي: أ/ التبليغ عن قرارات الندب إلى جهات خارج السلك القضائي قبل نفوذ تلك القرارات باعتمادها من المقام السامي. ب/ التبليغ عن قرارات الترقية بعبارة (من توافر فيهم مسوغات الترقية)، ومعلوم أن توافر المسوغات ليست قراراً معتمداً ونافذاً حتى يحق للمتحدث الرسمي في المجلس التصريح به لوسائل الإعلام، بل إن صدور القرارات بالترقية من المجلس ليست مما يجوز التصريح به قبل نفاذه بالاعتماد من مقام الملك وفقه الله. ج/ تبليغ المتحدث الرسمي في المجلس عن تعيين عشرين قاضياً قبل نفاذ قرار تعيينهم بالأمر الملكي، ولا يخفى أن صدور القرارات بالتعيين من المجلس ليست مما يجوز التصريح به قبل أن تكون نافذة باعتماد ولي الأمر لها، كما في المادة (47) من نظام القضاء، والقول بخلاف ذلك يجرد الأمر الملكي من محتواه ومغزاه، ويسلبه مقصده الشرعي والنظامي، ويحيله إلى قرار تنفيذي. فأي بيان أوضح مما جاء في الأمر الكريم المنوه عنه الذي حدد صلاحيات المجلس؟؛ حتى يخفى على متحدثه الرسمي. وما الذي يحتاجه المتحدث الرسمي في المجلس؟؛ ليعرف واجبه وحدود صلاحياته فلا يتعداها؛ حتى لا تختلط الأوراق. لقد آن لنا أن نقول لقيادات المجلس: إن أردتم النجاة لنا ولكم فخذوا على يد من ينخر في جدار السفينة، قبل أن يؤخذ على أيديكم من ولاة الأمر، وليس من خطر أعظم من التجاوز على أوامر الدولة، والافتيات عليها، في سُدَّة سلطاتها «السلطة القضائية»، وما يؤدي إليه هذا الأمر من الجرأة عليها، وتهوين أمرها، ليس على العموم فحسب، بل وفي نفوس القضاة الذين عهدت إليهم الدولة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والأنظمة المرعية. كما لنا أن نقول لقيادة المجلس: إن شرف المجلس وسمعته ليسا حكراً على منسوبيه، بل هي لجميع القضاة العدليين، وسيلقون منا رصداً لكل قرار، ونقداً لكل خطأ، وعيناً على كل تجاوز؛ حتى لا تختلط الأوراق، أو تساء بنا الظنون، والله من وراء القصد. * قاضٍ بوزارة العدل