وضحت علامات الذهول على صحفي ياباني متقدم بالسن والخبرة وهو يسأل مشجعا سعوديا صادفه في بهو الفندق الذي يسكن فيه «هل هذا منتخب السعودية فعلا؟!»، لم يصدق الياباني عينيه لأنه يعرف أن السعودية كانت ذات حضور قوي في البطولات السابقة، أو على الأقل لم تظهر بالخيبة التي رآها، مسؤولون وإعلاميون من دول أخرى نثروا نفس التساؤلات، وقدموا التعجب ذاته، ظلوا يبحثون عن منتخب طالما أبهر واعتلى القمة، كان أسدا يفترس فالمنتخبات منه تحترس. السعوديون جميعهم ظلوا في حركة دؤوبة، الجمهور تحرك منفعلا، ومعترضا، الإعلام هاج فحرك المجتمع الرياضي، الجميع وقف مذهولا مما رأوا، وكل صدمة تتبعها أختها حتى احترق الأخضر من أوله إلى آخره، لم يهدؤوا، ولم يجدوا من يسكب عليهم ماء باردا يخفف من روعتهم، بل يفيقهم من صدماتهم، لأنهم كلما أفاقوا من صدمة لحقتها أخرى، ولم يخفق المنتخب في هذه المسابقة منذ أن شارك فيها، فقد ظل طرفا ثابتا في النهائي منذ سنغافورة 1984 سوى مرة واحدة، آخر مرة لعب فيها على النهائي، لكنه الآن مرض مرضا أجلسه على السرير الأبيض في العناية المركزة. لم يكد السعوديون يخرجون من خيبة عدم تأهلهم إلى نهائيات كأس العالم الماضية بجنوب أفريقيا إلا وخيبة جديدة تحل عليهم، خيبة خروجهم من بطولة آسيا بنتائج كوارثية، النقاط (صفر)، والأهداف: لهم هدف وحيد، وعليهم ثمانية، والحصيلة (- 7)، وهي أسوأ نتائج يمكن أن تحدث لمنتخب، ولم ينافسنا على السوء سوى المنتخب الهندي! ثلاث صفعات متتالية! تلقى «الأخضر» الصفعة الأولى خسارة تلقاها المنتخب من سورية، كانت الصدمة أقوى من أن يتخيلها أحد، وبدت بوادر الإخفاق منذ أول خطوة، وكان نتيجتها تحدي (الخبراء) إبعاد المدرب (بيسيرو) وإحضار مدرب الفزعة الدائم الوطني ناصر الجوهر، وعد هو بالخير، ورجا غيره أن يكرر نسخة بطولة آسيا 2000 في لبنان حينما هزم المنتخب في أول مباراة من اليابان بأربعة أهداف فحضر الجوهر ليصحح الخطأ ويصل بالمنتخب إلى النهائي ليلعب أمام اليابان، لكن ما كل مرة تسلم الجرة، ولا يعني نجاح تجربة تكرار النجاح بالأسلوب ذاته، ويظهر أن الإغراق بالتفاؤل استنساخا للتجربة الماضية كان في غير محله! حضر الجوهر فانتقد ووعد، لكنه غرق مع المنتخب في الوحل الذي غرق فيه، لم يستطع إخراجه فجلس معه، تلقى صفعة جديدة من منتخب الأردن، وهو والمنتخب السوري كما يعلم الجميع منتخبان مغموران، ثم تبعه النتيجة (المسخرة) أمام اليابان عندما فازت بخمسة أهداف مع الرأفة، ولولا اللعب الاستعراضي الذي انتهجه اللاعبون اليابانيون بعد الهدف الثالث احتراما لتاريخ السعودية لربما سجلوا أكثر من عشرة! غابت الروح ليست القضية بهزائم تحل، فهي قد ترتحل، إنما بمستوى متدهور، وبروح غائبة، من شاهد اللاعبين أمام اليابان يشعر أنهم دمى لا تستطيع الحراك، يتحرك اللاعب الياباني من بين لاعبي المنتخب السعودي وكأنه يسير بين مجموعة من الأشجار، حتى مد القدم لقطع الكرة أمر فيه مشقة، ولذا شاهدنا أهداف المنتخب الياباني يسجلها لاعبوهم ومدافعو المنتخب السعودي يتفرجون وكأنهم أحد الجمهور في المدرج جلسوا على الكراسي بالثوب والشماغ، لا بملابس رياضية داخل الملعب! في المباراة تلك وما قبلها ثمة ما يسيطر على اللاعبين وكأنه يقعدهم عن اللعب، الحماس هو الوقود الذي يسير عليه اللاعب، فإن غاب غابت معه النتائج، وهذا ما حدث للاعبين جميعهم دون استثناء. تحدث بعض النقاد عن إحباط أصاب اللاعبين بسبب النقد الموجه للمدرب الراحل، ولعدد منتقى من اللاعبين، وهذا أمر أصابهم بالتراجع، النقد هذا يحمل شيئا من الصحة، لكنه ليس على إطلاقه، فمعظم اللاعبين ممن خدم في الملاعب سنوات طويلة، ويفترض أنه أخذ المصل الواقي من أية تأثيرات خارجية، فيلعب وهو يؤمن أن هذا هو قدره، وأن النقد هو من يرسم له الطريق السليم، كما أن الإعلام الذي رفعه حينما يبدع هو الذي يخفضه حينما يخفق، وهذا هو حال كرة القدم، ومن لا يستجيب فليجس في منزله بين أهله! هروب عاجل إلى الرياض! عاد المنتخب إلى الرياض فور الخسارة من اليابان مطأطئ الرأس، لا وجه يستطيع أن يقابل به المنتخبات الأخرى في الدوحة أو الجمهور هناك، الهروب من قطر الحل الأسلم، كما أن الهروب من اللقاءات التي طلبتها القنوات التلفزيونية والصحف أمر يجلب السلامة، لم يستجب أي من اللاعبين لأي لقاء ما عدا وليد عبدالله، فليس لدى أي لاعب ما يقوله. ماذا لو لعب الهلال أو الاتحاد؟! تصوروا أن من ذهب ليشارك في قطر أحد الفرق السعودية كالهلال أو النصر أو الاتحاد أو الشباب، هل ستعود بالخيبة التي عاد بها المنتخب، أم ستحقق نتائج رائعة؟! الذي أجزم به وأراهن عليه أن أي واحد من تلك سيحقق أفضل مما حققه المنتخب بأضعاف مضاعفة حتى لو لم يشارك لاعبوه المحترفون، بل ربما سيحصل على البطولة، وسيرفع الرأس عاليا. منتخب يضم صفوة اللاعبين يصل به الحال إلى هذا الأمر يحتاج إلى جلسة هادئة تدرس فيه جميع الأوراق بعناية، كشف الخلل كفيل بإيجاد الحل. هذا المشرط، وهذا المريض كان التغيير لزاما أن يحدث، تغيير فكر من أجل تغيير منهج، لقد حل الأمير نواف بن فيصل فتسلم حقيبة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وتسلم اتحاد كرة القدم، وفي حوضه يصب الرياضيون السعوديون كل آمالهم، ويرجون أن يحقق تطلعاتهم، حضر وحضرت معه إصلاحات بدأت بتغيير الجهاز الإداري في المنتخب، وتغييرات ينتظر أن تجرى على جميع الأجهزة، كانت الخطوة الأولى عبارة انطلقت من فمه «من لا يستطيع تحمل المسؤولية فليجلس في منزله»، خطوات أخرى وعد بها كإحضار مدرب كبير، واللعب مع منتخبات عالمية في أيام (الفيفا)، أول يومين تولى فيهما المسؤولية شهدا تحركا كبيرا من قبله، روح الشباب التي تتقد فيه ينتظر الجميع نتائجها في القريب العاجل، وهم يريدون أن يروا التغيير واقعا، والثمر نتائج رائعة لكي يطمئنوا.