الوقت أغلى من الذهب بل أغلى من كل الجواهر مهما كانت ثمينة ونفيسة، الوقت هو مسيرة الوجود كله - حتى قبل الحياة.. قال تعالى: (خلق السماوات والأرض في ستة أيام)، (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشرشهراً) ويوم القيامة وقته طويل (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعُدون). *** ما أولانا بتربية عميقة الجذور تملأ دنيانا بالأمناء الأقوياء، وتقرع آذاننا عن اللهو والضياع والانتحار الزمني - واللافت حقاً أن تراثنا العظيم تحتشد فيه المنبهات الزمنية خواطر كثيرة من الوقت رادوتني وأنا اتأمل أهمية الوقت، وجوهر قيمته - وفي الجانب الآخر كم نضيع من الوقت دون فائدة، وهناك كارثة بكل المعايير - هي ان يكون لدينا أوقات فراغ - وتكثر المقالات عن كيف نقضي أوقات الفراغ، وكأننا مجتمع قد ازدحمت جداوله بالعمل والسهر، وفاضت جنباته بعرق الكدح والجد والجهد المخلص، فجاءت تبحث عن وقت للترويح وتجديد النشاط. *** إن العمر إذا تأملناه هو الوقت، وهو هذه اللحظات التي تمر عليك قارئاً هذه السطور، ثم هو استغلال ما وعيت، حتى يصير إضافة لتراثك الفكري.. وهو عند الذين لا يعون أهمية الوقت لحظات محطمة ملوثة، تنحط بها الدنيا وتظلم، وتعيش فيها الأفاعي والجرذان، حتى تصير الدنيا خربة ينعق فيها البوم، وتنتشر فيها المظالم - وما خربت أو تلوثت إلاّ لإهانة الإنسان معنى الوقت بعد أن كرمه الله به. *** ما أولانا بتربية عميقة الجذور تملأ دنيانا بالأمناء الأقوياء، وتقرع آذاننا عن اللهو والضياع والانتحار الزمني - واللافت حقاً أن تراثنا العظيم تحتشد فيه المنبهات الزمنية، بل ان العبادات نفسها تدور كل يوم مع حركة الشمس، وهي أكبر ساعة زمنية ملتهبة، ثبتها الله فوق رؤوسنا في سماء دنيانا. الصلاة مع حركة الشمس، والفجر قبل أول أشعتها يدعو لليقظة والعمل، والظهر بعد ميل الشمس إلى مغربها وهلم جرا.. الصيام 0 كلما استدار عام من حركة ساعة العام الهجري. الزكاة كلما مر عام على مال الله الذي أتانا. الحج كله مواقيت ونفرات جماعية عاجلة الحركة، والطواف المنظم الخاشع، فما أولانا بيقظة تنبت وعياً جديداً بالوقت. *** الوقت قيمة هامة متقدمة لمجموع قيمنا العظيمة، الوقت الذي أقسم الله تعالى به عدة مرات، وسبحانه وتعالى لا يقسم إلاّ بما هو عظيم الأهمية مستحق لأن يقسم الله تعالى به. *** وأقرر أنه لا مستقبل لمجتمع لا يؤرق أفراده «الوعي بقيمة الوقت»، وإذا أردنا ان نفهم شعباً ما يجب ان نعرف قيمة الوقت عنده، وكيف يحسب وقته بشكل مختلف عن سواه من الشعوب، ومن الحكم الاقتصادية التي ظهرت حديثاً: أسرع الشعوب أغناها، وهو قول له رصيد من الواقع كبير والصحة الحقيقية. *** لقد وقفت ذات يوم على بحث علمي موثق يؤكد ان أسرع الشعوب هو أغناها، وأبرز الباحث عنصراً سماه الحاح الوقت ودراسة لبعض الثقافات التي تمتع الفرد فيها بالاحساس بالزمن وكذلك استيعاب الفارق الكبير بين العيش على «زمن الساعة» والعيش على «زمن الحدث» ففي الأول تتحدد بدايات الأشياء ونهاياتها تحديداً صارماً بالساعة، بينما في الثانية يخضع الناس لتلقائية توالي الأحداث وقد قدم الكاتب ترتيباً لدول العالم في سرعة الحياة، فاحتلت سويسرا المكان الأول في القائمة، واحتلت ثمان من الدول الغربية ثمانية من الأماكن التسعة على القمة، وكانت اليابان في المركز الرابع.. كما تبين للباحث وجود علاقة قوية بين الصحة والانضباط في الوقت، وبينها وبين نمط الشخصية ويعني بهذا ان المنضبط والمتقيد بدقة مواعيده هو ذو شخصية جادة فاعلة، متمتع بصحة نفسية وجسدية كاملة. *** إنك لتعجب كم يبحث الناس عن أيام العطلات ليستريحوا من العمل.. وكم هم سعداء يوم الأربعاء لراحة الخميس والجمعة. حدثني أخي عبدالله عن طرفة حقيقية حين كان يعمل في شركة أرامكو السعودية، كان له زميل سعودي في العمل: حدث ان تم ترفيع عدد من العاملين في الشركة لم يكن هو من بينهم، فذهب إلى رئيس الوحدة التي يعمل فيها - وهو أمريكي - معاتباً لعدم ترقيته كزملائه الآخرين - فقال له الرئيس: لماذا تطالب بهذا وأنت لا تحترم الوقت؟ أنت تحضر متأخراً وتنصرف مبكراً، وتختفي فيما بينهما..) ولذا فقد اختفيت من بين مستحقي الترقية. *** إن هذا الحدث البسيط في وقعه الكبير في دلالالته يدفعنا إلى ان ننظر في طرائق معالجاتنا للوقت حينما نعمد أحياناً لما نسميه «أوقات الفراغ» كيف يقضيها الشباب؟ وماذا يفعل بها الشيوخ بينما «الواجبات أكثر من الأوقات» ونحن - على مستوى الوطن العربي - لا نكاد ننتج ضرورات الحياة، من طعام وشراب ودواء واحتياجات الدفاع عن النفس التي يساوي ثمنها المليارات وتتضخم عاماً بعد عام ولنراجع الاحصاءات والدراسات لنجد عندها الخبر اليقين. إن لدينا - في تربيتنا الإسلامية - كنوزاً من القيم والمفاهيم والنصائح القولية والسلوك الفعلي تؤكد ان الوقت هو من أهم ما يجب ان يعتنى به وان أحد الأسئلة الأساسية التي ستوجه لكل واحد منا يوم القيامة: فيم أبلى شبابه، وكيف أفنى عمره؟ كما ورد في الحديث الشريف. *** من هنا أجزم أننا بحاجة ماسة لتربية متكاملة، تأتي عن طريق القنوات المتعددة (البيت، المسجد، المدرسة، المعهد، الجامعة، وسائل الإعلام، المجتمع) تربية تبعث قيمة الوقت من مراقدها، تحفظ المهدر وتستنفر المتبلد وتستنبت الخامد وهذا يجعلنا نقول بحق: لا مستقبل لفرد أو لشعب لا يؤرقه الوعي بالوقت، ولا ينذره مرور الأزمان. *** إنه مما يحز في النفس خلف الوعد في كثير من الأمور - على كثير من المستويات في مجتمعنا، وما خلف الوعد الا استهتار بالوقت، ويأتي ضمنه عدم التقيد بتنفيذ المهام في وقتها وحينها المحدد، وكثيراً ما انتقد من يعطي موعداً مبهماً كأن يقول مثلاً: نلتقي بعد العصر، أو أرجو حضورك بعد صلاة العشاء، وما بعد صلاة العشاء ممتد حتى الفجر. *** إن الاستهتار بدقة مواعيدنا الارتباطية والعملية ضياع سافر للوقت وإهدار للعمر الذي نأكل منه كل يوم جزءاً كما قال العقاد في ذلك ما معناه: يجب ألا نقول صار عمر فلان أربعين عاماً - بل يجب ان نقول الحقيقية وهي (نقص عمر فلان أربعين سنة) لأن العمر يتناقص كل لحظة حتى ينتهي فعلينا ألا نضيع ما بقي سدى. إن أمر الوعي بالوقت، والتزامه جد ليس بالهزل، وحق ليس بالباطل ومن لا يؤمن بهذا ويقدر على تطبيقه فهو مقصر أشد التقصير. (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم). هذا.. وفي المقابل فإني بالتأكيد لا أدعو إلى العمل ليل نهار.. دون راحة أو إجازة ولكن ليس بالقدر الذي هو بيننا الآن.. فلا نعتبر!! *** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها.. اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.