بادئ ذي بدء أنا اعترف أنه ليس لديّ معلومات كافية تجعلني أستطيع - بشكل علمي ومحايد - أن أقدح (أي أذكر سلبيّات وأضرار) أو أمدح (أي أشيد بإيجابيات وانجازات) الهيئة العامة للاستثمار. ولكن هذا لا يمنعني من أن أقول إن انطباعي العام - استنادا على مفهومي للاستثمار الأجنبي - هو انطباع في غير صالح الهيئة العامة للاستثمار. بعبارة أكثر دقّة أنا لست مقتنعا - حتى هذه اللحظة - بالإنجازات التي تدّعي الهيئة (و يدّعي مؤيدوها) أنها حققتها لاقتصادنا الوطني. كذلك - كي أكون منصفا - فإن معظم (وليس كل) الانتقادات الموجّهة للهيئة العامة للاستثمار (لاسيما من غير المتخصّصين) هي مجرّد كلام انشائي أقرب الى توجيه التهم للأشخاص من النقد البناء. يجب اقتناع هيئة الاستثمار بأن هشاشة الاستثمار الوطني والأخطاء الفادحة التي يرتكبها في حقّ اقتصاد الوطن لا يمكن أن تكون حجّة لهيئة الاستثمار تبرّر لها أن تسمح للاستثمار الأجنبي أن يرتكب نفس الأخطاء في حق الأقتصاد الوطني - ومن ثمّ تسميه انجازا - لمجرّد أن ضرر الاستثمارالأجنبي يبدو في ظاهره أنه أقل قليلا من الضرر الذي يسبّبه الاستثمار الوطني. مثال: هيئة الاستثمار تقول إن نسبة العمالة الأجنبية في الاستثمار الوطني هي 90 % (وهذه مصيبة) ولكن أيضا هيئة الاستثمار تعترف بأن نسبة العمالة الأجنبية في الاستثمار الأجنبي هي 73 % (وهذه مصيبة أخرى لايمكن أن تفتخر بها دولة في العالم) أي الفرق بين المصيبة التي يرتكبها الاستثمار الوطني والمصيبة التي يرتكبها الاستثمار الأجنبي هو فرق في درجة الإصابة. فإذا افترضنا أن الاستثمار الوطني يسبب الشّلل في الأيدي العاملة الوطنية بنسبة 60 % فإن الاستثمار الاجنبي أيضا يضيف الى هذا الشّلل بنسبة 25 % فيزيد الِشّلل الكلي في جسم القوى العاملة الوطنية (أي تعطيل أهم عنصر من عناصر الإنتاج) الى 85 % (توزيع النسب هو فقط للتوضيح وليست معيارا للواقع). الهيئة تفتخر (ويفتخر معها المؤيدون بما فيهم واس) بالترتيب المتقدّم الذي حقّقته المملكة فيما تسميه "البيئة التنافسية لجذب الأستثمارات" فحقّقت الترتيب الثالث عشر وتتوقّع أن تحقّق ماتسميه 10 في 10 هذا العام فتتصدّر الدول العشرة الأولى في العالم. الحقيقة أنا كاقتصادي سعودي لايمكنني أن أفتخر بهذا الترتيب بل يخجلني ولو كنت في مجلس يضم اقتصاديين فاهمين وسألني أحدهم ماهو عدد الوظائف (وهذا هو أحد أهم أهداف الاستثمار) التي حققها الاستثمار الأجنبي في اقتصادكم فسيتهمني بالجهل عندما يعرف أنه من بين كل أربعة وظائف أحدثها الاستثمار الأجنبي في اقتصادنا (وفقا لاعتراف الهيئة العامة للاستثمار) ثلاثة منها مخصّصة لاستقدام العاطلين في العالم ووظيفة واحدة متاحة لجموع العاطلين الواقفين بملفاتهم الخضراء في صف الانتظار من أبناء الوطن. كذلك (وهو الأهم) أن ترتيب تقارير سهولة ممارسة الأعمال للدول لا يمكن الاستشهاد به على الرّيادة (أو الإنجازات) لأن الغرض من الترتيب هو فقط تعريف المستثمر الأجنبي بالتسهيلات (أو التنازلات) التي يقدمها له البلد المضيف بغض النظر عن الخساير (أو التضحيات) التي يقدمها البلد المضيف. هذا واضح من اسم التقرير نفسه فاسمه تقرير سهولة ممارسة الأعمال (أي التسهيلات التي يحصل عليها المستثمر الأجنبي) ولا يأخذ التقرير في اعتباره - سواء من بعيد أو قريب - قياس جدوى هذا الاستثمار على اقتصاد البلد المضيف. بالتأكيد لو كان الترتيب يختص (أو يشمل) قياس المكاسب التي يجنيها اقتصاد البلد المضيف فإن ترتيب المملكة سيأتي في ذيل القائمة لأن عناصر التقييم - في هذه الحالة - ستأخذ في اعتبارها: أولا عدد ونسبة الوظائف التي أحدثها الاسثمار الأجنبي للمواطنين (وهذا سينقلنا الى المؤخرة من غير منازع) وثانيا نوعيّة ومستوى التكنولوجيا المنقولة (وهذا - على حد معلوماتي - سيدفعنا خطوات الى المؤخرة) وثالثا توفير أموال ليست متوفّرة في البلد لتمويل المشاريع التنموية (وهذا العنصر لدينا منه فوائض عاطلة تحتاج فقط للتحريك). لكن الحقيقة لا نستطيع أن نلوم الهيئة العامة للاستثمار فهي لا تعدو أن تكون عودا من طرف حزمة ولسان حالها يقول: وما أنا الا من غزيّة ان غزت * غزوت وان ترشد غزيّة أرشد. في عمود الأسبوع القادم - ان شاء الله - سنناقش على الخفيف بقية ماتسميه الهيئة انجازات كالضرائب والصادرات والمشتريات والمبيعات. * رئيس مركز اقتصاديات البترول " مركز غير هادف للربح"