" المدن الاقتصادية السعودية تجربة اختبارية وفي حال نجاحها سيُعمد إلى تكرارها وفي الفشل فإن الضرر محدود." هذا الكلام جزء من إجابة عمرو الدباغ على طالبة صينية سألته عن التماثل بين تجربة المدن الاقتصادية السعودية والمدن الصينية في القدرة على ردم الفجوة تعليمياً واقتصادياً وتقنياً بين سكانها وسكان المدن الأخرى ، في محاضرة ألقاها في بريطانيا ! فهل يعقل هذا الكلام إزاء مشروع يفترض أن تكون دُرست كل احتمالات نجاحه ، لا أن يكون مجرد تجربة محدودة الضرر وكأن المحافظ يتحدث عن مشروع لا تتجاوز نفقاته مئات الريالات وليس الملايين؟ وبناء على هذا هل يمكن اعتبار الاستثمار الأجنبي كله تجربة أيضا قد تنجح وقد تفشل ، نظرا للملاحظات الكثيرة التي تؤخذ على عمل الهيئة بعيدا عن الشعارات والمقالات الدعائية التي تروج للنجاح على الورق فقط ؟! كثيرة هي المقالات التي كتبها عدد من كتاب الصحف المحلية عن الهيئة ، وقد أجمعوا على الخلل الذي يعتري الاستثمار الأجنبي لا مجال إلى تفصيله هنا لكن أبرز ذلك ، الاستثمار في المشاريع الصغيرة التي لا تخدم الوطن ، وتؤدي إلى جلب مزيد من العمالة الرخيصة كثيرة هي المقالات التي كتبها عدد من كتاب الصحف المحلية عن الهيئة ، وقد أجمعوا على الخلل الذي يعتري الاستثمار الأجنبي لا مجال إلى تفصيله هنا لكن أبرز ذلك ، الاستثمار في المشاريع الصغيرة التي لا تخدم الوطن ، وتؤدي إلى جلب مزيد من العمالة الرخيصة التي تزاحم المواطنين ، واستفادة الأجانب واستغلالهم للتسهيلات التي حُرم منها المواطن سواء أكان تاجرًا أم شابًا يعاني من البطالة ، حيث لا تجبر الهيئة المستثمر الأجنبي على السعودة ، لأن هذا ليس ضمن دائرة اهتمامها كما صرح عمرو الدباغ في محاضرته تلك ! ويعدّ الكاتب داود الشريان أكثر من تناول هذا الموضوع في صحيفة الحياة إذ كتب عدة مقالات هي : من يحمينا من هيئة الاستثمار؟ ، أرامكو هي الحل ، من يراقب هيئة الاستثمار؟ الحرب على المقاول السعودي ، فوائد هيئة الاستثمار، الكلام الخرافي ، هيئة استثمار الأوهام العامة ، لجان الاستثمار الوطني ، سؤالان لهيئة الاستثمار ، أربعون «الونش» وأربعون الاستثمار ، بدأت فضائح هيئة الاستثمار، أوقفوا هذه المسرحية ، الاستثمار المغشوش ، استثمار المغامرين ، الاستثمار وتزييف الوثائق . وكتب عبدالعزيز السويد في الحياة أيضا : «إنفلونزا» جذب الاستثمار الأجنبي . وكتب محمد الساعد : داعية برتبة بياع كنافة . وفي عكاظ : كتب عبدالله عبدالباقي : البطالة واقتصادنا المسلوب ، وكتب أحمد الطويان: قمْ للأجنبي ! وكتب حمود أبو طالب: هيئة «صمت الشفايف» ، وكتب عيسى الحليان: البطالة واللعب على المكشوف ، وكتب خالد السليمان باب الاستثمار و«الجمل»! وكتب هاني الجحدلي: وين الاستثمارات . وفي الجزيرة : كتب عقيل محمد العقيل : هيئة الاستثمار «منافسة أم حماية»؟ وكتب فضل البوعينين : هيئة الاستثمار بين النجاح والفشل ، وكتب جاسر الجاسر: مستثمر في الكنافة ! وفي الوطن كتب علي الموسى : صاحب المعالي: ما هو الجديد؟ وكتب عبدالعزيز العويشق: استقطبنا الاستثمارات الأجنبية.. فكيف نستفيد منها ؟ وكتبت مرام مكاوي : الاستثمار الأجنبي.. لصالح من؟ وفي "الرياض" كتب راشد الفوزان : هوس الصدارة.. من الاستثمار للجامعات ، وكتبت حسناء القنيعير : العمال يستثمرون وأبناؤنا عاطلون ، وهيئة الاستثمار وترسيخُ مفهوم البقرة الحلوب ، والاستثمار الأجنبي، وأجنبي الاستثمار ! وفي الاقتصادية كتب عبدالله الفايز : الهيئة العليا للاستثمار الأجنبي أم الوطني ؟ وفي المدينة كتب محمد جميل فارسي : التي تنتهي بأكل الكافيار! وربما كتب آخرون مقالاتٍ أخرَ لكنّ هذا ما استطعت الوقوف عليه . وعلى الرغم من كثرة ما كُتب بشأن الاستثمار الأجنبي فلم يحرك أحد ساكناً ، بل حتى مجلس الشورى طال انتظارنا لرأيه ، حتى نشرت جريدة الاقتصادية ( 21 يونيو 2010 ) ما صرح به عضو المجلس بدر الحقيل من قوله : (سمعت أن كثيرًا من رجال الأعمال والمواطنين أبدوا تذمرًا من السماح لهذه التراخيص، إذ بمجرد الحصول على الترخيص يقوم بجلب عائلته وبني قرابته بعد سحب المبلغ المودع في البنك حال حصوله على السجل، ولا يقوم باستبقاء التزاماته أمام الهيئة، بل يعمل في نشاط مهني آخر مثل ورشة أو مطعم، ويزاحم المواطنين) ! وأكد ما سبق أن أشار إليه الكتّاب من أن : (هدف المملكة من الاستثمار الأجنبي هو نقل التقنية وحصرها في المشاريع الكبيرة التي تفيد البلد كالغاز، والنفط ، والكهرباء، والطاقة، لا أن يتحول هذا النظام إلى تقنين التستر التجاري وتجارة التأشيرات التي ... أصبحت ظاهرة لدى المستثمرين ولا يوجد منها أي إضافة للاقتصاد الوطني) . وتبعه عضو المجلس عامر اللويحق الذي انتقد هيئة الاستثمار (الحياة 27 يوليو2010 ) بقوله : إنها تسهّل عمل الأجانب وتضرُّ المواطنين ، ومنذ تأسيسها لم تعمل بالشكل المطلوب ، و(الجميع توقع أن تكون هناك مشاريع واستثمارات بعد التأسيس ولكن مع مرور الوقت بدأ يتذمر المواطن صاحب العمل والمستثمر السعودي من تركيز الهيئة على الأجنبي، وتسهيل إجراءات التراخيص له برؤوس أموال متواضعة ، وأحياناً شكلية ليسمح له باستقدام أسرته ومعارفه ، ما يسبب زيادة العمالة الأجنبية بحجة الاستثمار الأجنبي... المملكة ليست بحاجة إلى استثمار أجنبي في الورش والنجارة وصناعة الأبواب والمطاعم والصيانة وهو ما سُمح للعامل الأجنبي الاستثمار فيه أحياناً بتقويم لمعدات شكلية يملكها على الورق فقط، وتختفي بعد الحصول على التراخيص لعدم وجود جهة تتابع هذه الأعمال) . وطالب الهيئة بإعادة النظر في أسلوب الاستثمار الأجنبي الذي تتبناه ، وعدم السماح أو الترخيص لأجنبي الداخل المقيم بالاستثمار، ما لم يحوّل رأسمال مجزٍ من الخارج إلى الداخل ، ويقدم شهادة بنكية بذلك ، ويتابَع من الهيئة في أدائه ... وأن بعض المستثمرين الأجانب يحضرون شهادة رأسمال لأيام عدة ومن ثم يختفي ... ، وقال: (الهيئة كشفت في تقريرها السنوي الأخير الذي اطلعنا عليه في المجلس عن توقعها بتطور المدن الاقتصادية وتكون جاذبة للعائلات خلال ثمانية أعوام، وأنها ستنتقل بثبات إلى مرحلة النمو المستدام، وسيكون بعد انضمام الخدمات والأعمال التجارية إلى المجموعات الصناعية، وسيكون بإمكان كل مدينة من المدن الأربع إيجاد 30 ألف فرصة وظيفية ، واستيعاب ما يقارب من مليون نسمة). ولعل الأسئلة والاستفسارات التي أثارها الكتاب والقراء وتجاهلت الهيئة الإجابة عنها ، سنسمع إجابتها في مجلس الشورى ؛ حيث ذكر عامر اللويحق عضو المجلس أهمية حضور محافظ الهيئة (لمناقشة الأعضاء تحت القبة حول نتائج أعمال الهيئة خلال الأربعة أعوام الماضية، ويشرح إيجابيات سياسة الاستثمار الأجنبي المتواضعة، وما تخطط له مستقبلاً ومدى استقطاب الشباب للتوظيف واستيعاب المدن الصناعية لمليون نسمة) ومع كل هذه الملاحظات من الكتّاب وعضويْ مجلس الشورى إلا أنه وُجد من يلمع أداء هيئة الاستثمار ، على أثر صدور التقرير السنوي للأونكتاد الذي ، حسب رأي أحد الملمعين، صب الماء باردًا على رؤوس بعض منتقدي الهيئة ( الرياض 20يوليو 2010 ) . ولا أدري ممّا نبع هذا الموقف هل هو من باب انصر أخاك ، أو من باب لا يمدح السوق إلا من ربح فيه ؟ إذ قال: (... نلاحظ أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تدفقت على بلدنا عام 2009م، لم تذهب إلى دكاكين الفول والمطاعم ومحلات الحلاقة بالدرجة الأولى .... الاستثمارات التي قدمت إلينا قد توجهت لتطوير العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة مثل البتروكيماويات وصناعة تكرير النفط والخدمات المالية والاستثمارات في العقار والبنية التحتية وقطاع المقاولات ، وقطاع الاتصالات والنقل وتقنية المعلومات وقطاعات التعدين ... هي من الكبر بحيث إن مستثمري ال 50000 ريال لا قبل لهم بها) ! ومما يثير العجب هو على أي أساس بنى رأيه هذا ؟ ولو كانت الاستثمارات الأجنبية كما يزعم ، هل كانت الهيئة تواجَه بكل هذا الكم من النقد ؟ وهل يمكن أن يجمع كل هذا العدد من الكتاب على باطل ؟ ولماذا لو كان كلامه صحيحًا وأن الاستثمارات كانت بالملايين حتى لم يوجد منها استثمار ب 50000 ، لماذا لم تعترض الهيئة وتوضح أنه لا استثمار في الفول والطعمية والأفران ودكاكين الحلاقة ؟ لماذا لم تأتِ بالدليل الذي يؤكد سلامة موقفها ، بدلاً من أن توعز لنفر من الأنصار بالدفاع عنها دون بينة ؟ أما الآخر فقد كان أكثر مباشرة إذ دعا إلى تشجيع الهيئة (الوطن 27 يوليو2010)؛ لأنها حققت لبلادنا المرتبة الأولى بين الدول العربية في استقطاب رؤوس الأموال النقدية، والمرتبة الثامنة بين دول العالم ... لتتضاعف هذه الاستثمارات في السوق السعودي 40 مرةً خلال السنوات الخمس الماضية... لنصبح ضمن أسرع دول العالم في تحقيق نتائج مسيرة الإصلاح الاقتصادي ومن أفضلها جذباً للاستثمارات الأجنبية ! وتبلغ المناصرة أوجها ونصرة الأخ مداها حين يسترسل قائلا : بل تفوقت السعودية على أيسلندا وسويسرا واليابان وفنلندا وبلجيكا ... ! ولا عجب أن نتقدم على هذه الدول ونتفوق عليها في جذب الاستثمارات ؛ ذلك أنها لا تستثمر في الأفران ودكاكين الحلاقة بل تبحث عن الاستثمارات الثقيلة التي تضيف إليها ولا تكون عبئا عليها ومستفيدا أوحدا . ويصر الكاتب على إضحاكنا من باب شر البلية عندما يزعم أن الهيئة تسعى (بكامل قواها وقدراتها لمواجهة التحديات الملحّة غير المنظورة والمقلقة، مثل ضعف نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للنمو السكاني، وانخفاض عدد الوظائف المعروضة للمواطنين في القطاع الخاص، وبطء نمو قيمة الصادرات السعودية غير النفطية) ، إنه إن كانت الهيئة تقوم بهذا الدور المبالغ فيه من باب التلميع لتبدو حامية الديار ومنقذة الاقتصاد الوطني فمن أين جاء الخلل الذي يشكو منه كثيرون ؟ثم ان تكون مؤسسة بكل هذا الاهتراء أمينة على الوطن فتلك كارثة. ويختم بقوله : (علينا تشجيع الهيئة العامة للاستثمار والوقوف إلى جانبها، ودعمها بكامل قوانا لتؤدي دورها المميز وتحقق أهدافنا التنموية) ! والسؤال الذي يلحّ بقوة هو : متى ستحقق الهيئة دورها التنموي المزعوم ، إن كانت حتى اللحظة لم تتضح أهدافها ولم تحقق للوطن والمواطنين ما أنشئت من أجله ، وكل ما تحقق مصالح المستفيدين والمستغلين دون سواهم ؟!